يعاني الجميع من صعاب نفسية تجعل تقدمه الزاهر متأخرا، ولن يعلم ذلك إلا بعد أن تلعب الأمراض بأرواح مقهورة يئست طلب السعادة من الحياة، فذهبت تبحث داخل قبور موحشة حالكة السواد.
طالما سمعنا بمرض الاكتئاب الذي لا زال يتفشى في أنحاء العالم بشكل ملفت للأنظار والذي يصاحبه الانتحار. كثيرون هم الذين أجمعوا على أن الملاذ الوحيد للفرار من أنياب هذا المرض هو الاستسلام والإلقاء بكل أعباء الحياة، بارتداء قناع الراحة التي يحملها مصطلح الموت المغري. غير أنه، في بعض الأحيان، يكون تقبل الأمر والتعايش مع كل تلك الصدمات في ظل السعي وراء إيجاد الحلول أمرا جديرا بالإعجاب.
كلا الأمرين، في الحقيقة، يتطلبان تلك الشجاعة القوية، فمصارعة الأحزان متعبة للأعصاب حتما؛ كونها تهدم أبوابا كثيرة، أبواب الثقة المهشمة، وأبواب الراحة النفسية التي باتت ضمن لائحة المفقودين، وأبوابا كانت فولاذية لا يقوى أحد على اختراقها، لتمسي ورقا بللته أمطار دموع انتحارية.
يقاتل المريض شتى أنواع العواصف، ويتناسى ٱلاما حادة، وتجعل منه الأفكار الرمادية شخصا خاليا من كل أنواع الشعور بالحياة. يحاول جاهدا الهروب من هذا العذاب، لكن إلى أين؟ كثيرون غرقوا في نوم أبدي اعتبروه في أحد الأيام مخرجا لهم؟ أهو كذلك؟ يحاولون حماية روحهم المتخبطة من لؤم بعض الكارهين. أمطروهم بالإيلام على كل تصرفاتهم وأفكارهم، بل تجاوزوا ذلك ليخربوا وسائل ابتعادهم اللحظية عن واقعهم المهول الخانق. ماذا سيحدث لشخص خط جروحه داخل مفكرة مزقت لقطع صغيرة كما شظاياه اللامتناهية المنثورة أمام ناظريه بازدراء؟ بماذا سيرسم من كان ملجأ وحوشه لوحة سيحرقها أناس انتزعوا منه فرشاته، غسلوا دماغه من كل ألوان الحزن وكذا السرور، فرسموا آخر لوحة رمادية اشتراها مقابل بؤسه، طالما قالوا عنها “هراء” مع أن ما يلقبونه بذلك استخلص من دماء الذكريات السابقة.
مراعاة مشاعرهم الدفينة المتهالكة، وإنقاذهم من هفوات الحياة بالإضافة للاستجابة لصراخهم الصامت، واجب إنساني على أفراد فقدت داخلهم هذه الصفة؛ فالمكتئب حتما يريد أن يخرج من حالة الموت الحي الذي يعانيها أثناء الليالي الحالكة بعد كل نهار منافق متعب، إلى حالة العيش في سبيل تحقيق أحلامه الدفينة، ثم سعادة غابرة أخفتها عراقيل الحياة التي يستحقها أي مكتئب خانته بصيلات عقله المتقلبة.
حقا يجب أن تعاش بكل لحظاتها، البعض يريد ذلك، لكن يجهل الطريقة، وهنا الدور الذي يقوم به المجتمع لمساعدته للفرار من أنياب الاكتئاب القاهر، لا عبر بث الأفكار السامة المطبوعة على جدار العقل البالي والجسد من خلال السهر المقلق والوحدة الفانية. لا أحد يمكن أن يشعر بمعاناته التي تنهش روحه المتألمة، غير أنه إذا أحب أحد منهم أن يهتم، فينبغي أن يلتفت ليرى حروبهم.