استعمار عقل و جسد، لا استعمار أرض و بلد

0 2٬419

كان من الصعب علي أن اكتب نصا كهذا، خصوصا باللغة العربية. فكلمات استعمار و غرب و عنصرية أصبحت توحي مباشرة في لاوعي القارئ العربي بنظرية المؤامرة، بينما لا زالت تمثل مفاهيم ابستمولوجية و معرفية في العالم الأكادمي (خصوصاً الإنجليزي). و ذلك راجع إلى الاستعمار المعرفي الذي سأتحدث عنه في هذه المقالة و الذي أصاب العقل المسلم في كل الأرجاء، بالإضافة بالطبع إلى تيار مجتمعي و ثقافي في العالم الإسلامي يستعمل هاته المفاهيم في سياق مؤامراتي محض تغلبه السذاجة و السطحية العاطفية.
لهذا فلن أسترسل في الحديث إلا بعد أن أضع بعض النقاط على الحروف، حتى لا أُرمَى بجهالة فيُحمّل كلامي ما لا يحتمل و إن كنت أعلم أنني ممن سيُجْهل عليهم على أية حال. لن أخوض في الموضوع إلا بعد أن اشرح المفردات و أن أبسطها للقارئ الذي لم يسبق له أن اطلع أكاديميا على الموضوع.
النص الذي أنتم بصدد قراءته ليس نصا أكاديميا محض، و لكن كل كلمة فيه تجر وراءها مفاهيم أكاديمية لا تقبل الاختزال و معاني لا تقبل الإجمال. فهو ليس بنص صحافي يخبر و لا برأي عفوي مكتوب يعبر.

Frantz fanon
أولا، الغرب West لا يعني في كلامي رقعة جغرافية بل يعني تركيبة تاريخية و اجتماعية و ثقافية كما كان المفكر الجزائري Frantz Fanon يعرّفه. الغرب مفهوم مركّب تراكمي لا يرتبط بمكان بعينه و لا ببلد بعينه، فهو موجود في عقل و وجدان كل واحد فينا. الغرب هنا عبارة عن منظومة معرفة و قوة Structure of Knowledge and Power يتجلى أثرها في مجالات شتى.
ثانيا، حديثي عن المُغترَب أو المُستعمَر Westernised or Colonised في هذا النص هو حديث عن الغرب الذي يسكننا لا عن الرقعة الجغرافية التي ننتمي أو لا ننتمي إليها، أي أن من الممكن أن نجد إنسانا محاربا و مناهضا للغرب، لكنه منتج لنفس المعرفة انطلاقا من المتناقضات Binaries الاستعمارية، فهو إذن مُستعمَر و إن حارب الاستعمار، استعمار عقل و جسد لا استعمار أرض و بلد.
ثالثا، عندما أقول إن أحدهم غربي Western أو إن هذا الفكر غربي، فلا أعني مرة أخرى بذلك انتماءه إلى الغرب كرقعة جغرافية، و إنما أعني بذلك وضعيته داخل المنظومة المعرفية و الإبستمولوجية. أن تكون غربيا لا يعني بالضرورة وجودك في الغرب و إنما يعني نظرتك إلى الحياة و إنتاجك المعرفي.
و أخيرا، الاستعمار Colonialism ليس مرحلة تاريخية تبدأ بدخول الجيش الاستعماري إلى بلد ما و تنتهي بالخروج منه، بل هو مفهوم مركّب يتجاوز الزمن الاستعماري الجندي إلى أنواع أخرى من الاستعمار، هذا ما يسميه المفكر اللاتيني المعروف Enrique Dussel بالاستعمارية Coloniality. فالاستعمارية من مخلفات الاستعمار التي تتجلى في مجالات شتى منها: الفكر و الثقافة و الفن و الجمال و الأخلاق .
إن كانت دراسات ما بعد الاستعمار Post-Colonial Studies توحي بنهاية الاستعمار، فإن الاستعمارية مقرونة بمفهوم الاستمرارية Continuity.

KWBGustavoPeter

لكن ما هو كنه الاستعمارية و تجلياتها الفعلية؟
الاستعمارية هي حينما يأتي المستعمِر (الإله) و المستعمَر (النبي) و ينظران إليّ كمسلم بنظرتهما المركبة التي تريدني أن أتغير…وأن لا أكون أنا هو أنا. فهما يراني غير مكتمل في النضج إنسانيا Superiority of Humanity لأني غير ناضج ثقافيا Superiority of Culture و معرفيا Superiority of Knowledge. فأنا بالنسبة إليهما غير متحضر و خارج عن الحداثة Modernity و غير مالك لأي أفكار فلسفية أو مفاهيم متقدمة، بل وغير واع تماما بسبب إيماني و اعتقادي البائد. هذا كله لأن رسالتي مغايرة لرسالة الإنسان الغربي الذي جعل منها الإله و النبي رسالة إنسانية عالمية و إن ارتبطت برقعة معينة و بسياق تاريخي و ثقافي خاص بتلك الرقعة، و كذلك لأن النضج الإنساني مرتبط في نظرهما بالإنسان الغربي الذي يملك قدرات معرفية أكبر من القدرات التي أملكها Superiority of Intellect .
الاستعمارية إذن هي حينما يتجاوز الاستعمار نظرة المستعمِر ليصل إلى المسلم و غيره من المستعمَرين الذين ينظرون إلى أنفسهم بنظرة المستعمِر. الاستعمارية هي حينما يرى المهيمَن عليه نفسه بنظرة المهيمِن.
الحقيقة المؤلمة هي أن المسلم اليوم و بحكم استعماره الفكري يغالب الحياة لكي يجيب على أسئلة غير أسئلته، لأنه مستعمَر.
المصيبة هي أن الإجابة عن أسئلة غير الأسئلة يعني إنتاج معرفة غير المعرفة! ليس فقط لكون نصف المعرفة في السؤال و لكن لأن نصف وجودية الانسان في السؤال.
لهذا فالمسلم غير موجود، و السبيل الوحيد لإمكانية وجوده هو سؤال السؤال الذي يحاول الإجابة عنه.

هدفي من هذه المقالة هو التعريف فقط ، حيث سيكون هنالك مقالات أخرى أخوض فيها أكثر في الموضوع. لكن سأخبركم بشيء قد يفاجئكم و قد يفزعكم: مجرد الجواب على سؤال المستعمِر يعني السقوط مباشرة في قوقعة الاستعمار! لدى فأهم سؤال يمكن أن يطرحه المسلم على نفسه حاليا هو: ما سؤالي؟