سواء قبِل الإنسان أورفض الإدلاء برأيه أواتخاذه موقفا تجاه أي قضية تحيط به من قريب أومن بعيد، فهوابن هذه الأرض ويساير الحياة كما يفرضها عليه الواقع الذي هو جزء منه. لكن، تتفاوت درجة أنسنة المواقف والتعامل معها بصدق وعدالة، بحيث أغلبية أفراد المجتمع يفتقدون لميزان يزِنون به القضايا الإنسانية العادلة من المصالح الباطلة، ومفتقدون لمنظار يُجَلِّي لهم الرؤية لتمييز الخير من الشر، ومهما بدت المصلحة سيّدة الموقف في المعاملات، لكن يُحدُّ سقفها عندما تحاول هدم هويتك وفطرتك ووطنيتك بنوع من الاختراق اللطيف، وهذا ما ينجر فيه الكثير من النّاس؛ بحيث غياب الوعي التاريخي والعقدي والإنساني يفرز هوية مجتمعية سائلة مائعة منعدمة المبادئ والأخلاق، فتسقط في وهم البراغماتية.
دفاع الناس بعضهم بعضا في هذه الأرض لا يلغي إنسانية الإنسان في ساحة التدافع المجتمعي، لذلك يرقى دور الفرد وتمتاز شخصيته بمواقفه ودفاعه عن قضاياه، لا أن ينجر مع طغيان عالم المادة فيصير إنسانا وظيفيا تحركه الماديات والمصالح الاقتصادية والحظوة الاجتماعية؛ فتعمى بصيرته عن الوجهة والقصد لمعنى الحياة الحقيقي في بناء العمران الأخوي والمشترك الإنساني لا أن يحمل مِعول الهدم والفُرقة.
لهذا، نرى في أطياف المجتمع صنوفا من النّاس، دورهم في الواقع يختلف ويتفاوت، بحيث تجد صنفا يفضل الانزواء والصمت عن واقعه مُحاججا رأيه قائلا: يكفيني البحث عن قوت يومي فقط، فيستريح إلى دعته، وهذه الشخصية وإن كانت أهون من ذاك الذي يصفق للباطل، لكنها شخصية بطّالة لا تنتج ولا تثمر شيئا، ولا يُعوَّلُ عليها.
وهناك صنف من الناس ذو شخصية مادية تقف عند مظاهر الحياة ومرائيها، لا يحفلون بشيء إلا بما يتصل بمطامعهم وشهواتهم، يعاملون الآخر بالمنفعة، لا يهمهم إن ضحكوا هم والعالم باكٍ، ولا يبالون إن أهلك الناس أم بقوا ما داموا باقين متنعمين، وهذا نوع مقيت يُنظر له بنظرة شزراء، شخص تعالى بأنانيته عن هموم الأمة فانفرط عن عقد الإنسانية.
وهناك صنف ثالث، شخصية سوية تنظر للحياة من أعماقها وأطوائها، صفت قلوبهم فتنورت عقولهم بنداء الفطرة، فتراءى لهم العالم بما فيه من خير وشر ففرقوا بينه، ففرحوا بخيره وحزنوا بشره، عُملَتُهُم في الحياة المبادئ والمواقف تغنيهم عن كل فتات ولقيمات تفسد لهم فطرتهم السليمة وروحهم النقية. وهذا الصنف هوالذي يمكث آثره في الأرض ويذكره التاريخ وتتعلم منه الأجيال المقبلة القيم الكونية الإنسانية المُثلى.
لذا، لا تبخس من مجهودك، وموقفك، وصوتك، ورفضك ورأيك تجاه أي قضية إنسانية عادلة، فأنت لبنة في مشروع هذا المجتمع، تبني به صرح القيم والأخلاق في زمن قلّ فيه البنَّاؤون. ما الحياة سوى صراع بين حق وباطل، بين خير وشر، بين فضيلة ورذيلة، وما شهدناه عبر التاريخ وتعلّمنا منه أن مهما علا الباطل عُلُوًّا كبيرا إلّا ويعقبه سقوط مدوِِّ، ليبزغ فجر الحق والخير وهذا هوالقانون الكوني الرباني، فاختر مع من تكون. أليس الصُّبحُ بِقريب؟!