القوانين الكونية

لطالما وجدت نفسي عالقة في حديث عقيم عن الماديات والممتلكات. كل طرف في هذا الحوار يحاول باستماتة إقناع الآخرين بأن له كامل الحق في امتلاك الكرة الأرضية بكل ما يَدِبُّ فوقها. لم يكن الحديث يوما عن الأحلام الشخصية لكل طرف، بل عن أطماع ثلاثية الأبعاد تُنسي الإنسان هدفه الأساسي في هذه الحياة؛ أحد ينشغل عن أبنائه بسبب مشروعه العقاري الثامن، والآخر يضيق الخناق على نفسه ليشتري يختا سادسا، وأخرى تنساق وراء آخر الصيحات العالمية متجاهلة عائلتها وأولوياتها.

لا ضير في أن يرغب الإنسان في امتلاك ما يرغب به في هذه الحياة: مال، أو منزل أو سيارة… هذه الماديات تسهل عليه العيش في استقرار وراحة. ولكن المشكلة تكمن في تحول الإنسان إلى عبد لها، فتجده يركض على مضمار عمره طلبا للمزيد والمزيد من المتع الزائلة لا محالة، ليصل إلى خط النهاية منهكا مشتتا وقد فاته النظر إلى ما حوله من جمال الحياة النقية.

لقد خلق الله الكون بقوانين عامة تشمل جميع المخلوقات. ولضمان استمراريته إلى أجله المسمى، جعل سبحانه وتعالى لكل شيء وظيفة خاصة: الشمس بمهامها المختلفة، والقمر بمراحله المتعددة، والأشجار والجبال وقس على ذلك الكثير من المخلوقات. كل ذلك مُسخَّر من أجل الإنسان بغية توفير البيئة والمناخ المناسبين ليعيش ويتكاثر.

مقالات مرتبطة

ما يحدث بين بني البشر، هو أننا نعلم بوجود هذه القوانين وبكيفية تفاعلها معا من أجل سيرورة الحياة في هذا الكون، إلا أننا بكل بساطة نستثني أنفسنا منها؛ وكأن القوانين الكونية لا تعنينا في شيء ولا تنطبق علينا. نَنْكِسُ رؤوسنا ونَنْغَمِسُ في التخطيط والعمل على تجميع أكبر قدر من متاع الدنيا، غير مبالين لحقيقة الكون الأبدية التي تبرهن دوما على استحالة خلودنا مع متاعنا؛ “الموت”.

إن كان الكون المسخر لنا ولأجل استمرارنا، والذي سيندثر -لا محالة- ويزول حال فنائنا يحترم هذه القوانين ويخضع لها، فكيف لنا نحن كبشر أن نكون استثناء؟ كيف استطعنا في خِضَمِّ أحداثنا اليومية واهتماماتنا أن نتجاهل مهمتنا الرئيسية؟ كل الخلائق تعبد الله وتسبحه من خلال أداء الوظائف التي خُلقت لإتمامها، في حين أن الإنسان الغافل يفعل كل شيء ممكن في هذه الدنيا ولا يستثقل إلا الوظيفة الأساسية التي وُجد لأجلها.

إن أردنا أن نستقي مثالا يوضح حالتنا من وجهة نظر شاملة، فإننا أشبه بطفل صغير دخل قاعة الامتحان ليجتازه، وعوض التركيز على الأسئلة الماثلة أمامه ومحاولة الإجابة عنها، فإنه ينشغل بالاندهاش والتعجب من شكل القاعة، والكراسي، والزرابي والنوافذ وباقي الموجودات.

خلق الله كل شيء بقَدَر، كل مخلوق بوظيفته، وفي حال نسينا ذلك، فإن مهمتنا –كبشر- في هذا الكون هي العبادة، والامتثال لأوامر خالقنا واجتناب نواهيه؛ خلقنا لنتحرى الطريق المستقيم ونتبعه. أما السخافة الفانية التي نطاردها كل يوم فهي مُسَخَّرة لنا من الأساس ويكفي أن نكون مع مُسِنِّ قوانينها لتنقاد لنا انقيادا.