جولة في اليابان … لماذا ؟
قد لا يوجد شخص، يعرف اليابان، ولا يتمنى زيارتها؛ لأن زيارة هذه الدولة تعتبر بمثابة زيارة كوكب آخر، مستقل عن كوكب الأرض، وإن كان ثابتا عليه.
وأنا في الطائرة، متوجه إلى طوكيو، فكرتُ أن أدوّن يوميات سفري الأول إلى هذه الدولة وستكون هذه أُولى هذه الخواطر
إن ما يميز دولة اليابان أنها تبهر الناس، حتى وهُمْ لم يروها بعدُ؛ وقد قيل: “والأذن تعشق قبل العين أحيانا”؛ والإبهار هنا لا يقتصر فقط في التكنولوجيا وفي المنتوجات العالية التقنية، وإنما يتجاوزه إلى أشياء أخرى كالثقافة الصارمة والانضباط الاجتماعي والإتقان في العمل.
والحق أن أساتذة التاريخ لا زالوا مندهشين: كيف استطاعت هذه الدولة أن تخرج منهزمة من حرب عالمية مدمرة وبخسائر فادحة، بعد قصف بقنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي، وترمم ذلك الدمار جميعَه، وتلك المخلفات كلها، في وقت وجيز ؟
كيف استطاعت أن تتجاوز كل ذلك لتصبح، اليوم، إحدى كبريات الدول، في مجالات الصناعة والتجارة العالميتين، والابتكار والبحث العلمي؟!
بعودتي إلى تجربتي الشخصية، وجدتُ أنني، ومنذ صغري، ألاحظ أن اليابانيين متفوقون في الرياضات خاصة؛ فهم يحتلون المراتب الأولى في الألعاب الأولمبية وفي المنافسات الرياضية العالمية المختلفة؛ كما أن جل ما نستعمله من التقنيات والمنتوجات، ألاحظ أن لليابنيين منه حظا وافرا؛ بل حتى في ثقافتنا الشعبية، جرى مجرى المثل قولنا: “جيتي في الوقت؛ ياك مانتا جابوني؟” تعبيرا على الانضباط الصارم في الوقت لدى هذا الشعب؛
وهذه كلها أسباب تجعل أي واحد منا، وخاصة من المحبين للسفر، يُبَيّت النية لاكتشاف هذا البلد، ويحلمُ بزيارته.
عندما كنا صغارا كنا نشاهد ما ترجمته القنوات العربية إلى “الكابتن ماجد” وإسمه في الحقيقة : “كابتن سوباصا” وهي رسوم متحركة مونگا “أنيمي” يابانية تحكي قصة طفل موهوب ومهوس بكرة القدم، يحلم باللعب في منتخب بلاده، ويتمنى الفوز بكأس العالم وإهداءه لليابانيين. ونحن عندما كنا نشاهده في ذلك العمر، وبفعل الترجمة، تخيلناه يريد أن يهدي الكأس للمنتخب العربي، كما كان يشار إلى ذلك في الحلقات. وكنت حينها أسأل الكبار عن العلامة: “القرص الأحمر”، التي كان يحملها ماجد على قميصه، ولماذا يلعب المغاربة للمنتخب المغربي وليس للمنتخب العربي؟ كانوا يقولون لي حينها: إن االقرص الأحمر يرمز للشمس وقت الشروق وهو الإسم الذي يطلق على اليابان “بلاد الشمس المشرقة”، فهي الدولة التي أنتجت هذه الرسوم المتحركة، وأما المنتخب العربي فشيء وهمي فقط، ألصق بالكابتن ماجد، ربما “للضرورة الشعرية”، ليوافق الترجمة العربية ويوافق أحلام العرب لكي يتوحدوا يوما ما.
ومن الأمور التي جعلتني أتعلق باليابان أن والدي، لما كنت صغيرا، أهدى إلي حاسوبا اسمه “صخر”، وهو من صنع كويتي، لأن والدي كان يعمل في السفارة الكويتية حينها، وكان هذا الحاسوب يُشغّل فيه أقراصا كونامي اليابانية وكانت أكبر شركة لإنتاج ألعاب الفيديو حينها، وعندما ترى تلك الألعاب باللغتين العربية واليابانية، وتحتك منذ صغرك بشخصيات وأسماء يابانية، فإنه من الطبيعي أن ينشأ لديك نوع من التعلق باليابان.
كيف وٌلدت فكرةُ هذا السفر؟
في الواقع، لي صديق اسمه عبد الرحمن مرجان -وهو صديقي وأخي، وأعرف أخاه وهو صديقي أيضا، كما أن أخته طبيبة معنا في المجمع الطبي الوفاق بتمارة، وأكاد أعرف أفراد عائلته كلها- وصديقي عبد الرحمن من المهتمين بالثقافة اليابانية، وهو أستاذ لتعليم اللغة اليابانية، كان سافر إلى اليابان في أكثر من مرة، وفي كل مرة، كان يحدثني عن ما يراه هناك في تلك البلاد العجيبة.
وقبل سنتين، كنا –أنا وعبد الرحمن- حاولنا تنظيم رحلة جماعية الى هذه الدولة، فلم ننجح لأسباب أو لأخرى، ثم حاولنا الأمرَ نفسه في العام الماضي، فلم ننجح مرة أخرى، إلى أن يسر الله الأمر هذا العام، وها نحن أخيرا نحقق ذلك،
ونتوجه إلى اليابان.
كي أكون صريحا، لا أدري كيف ستجري الأمور، لكني متأكد من أن الرحلة ستكون ثرية بالمعلومات وغنية بالتجارب، سأستفيد منها الكثير لا محالة … وهذه من المرات القلائل جدا التي أسافر فيها إلى بلد سمعتُ عنه الكثير، وفي الوقت نفسه لا أدعي أنني أعرف عنه شيئا معرفة حقيقية، وهذا يجعل توقعاتي كبيرة