بدأت دراسة الإنجليزية يوم 1 يناير 1990. كنت خارج النظام الدراسي النظامي. وبالتالي كانت الدراسة كلها بالبيت أو بالمكتبة حيث كنت أعمل.
كنت في الخامسة عشرة من العمر. وبما أني قطعت مرحلة لا بأس بها من تعلم الفرنسية حينها فقد اعتمدت في البداية على مقرر فرنسي اسمه “الإنجليزية في تسعين يوما وتسعين درسا”.
كان مقررا جيدا فهو يعتمد الانطلاق من نص يتبع بقائمة للكلمات الجديدة ومعانيها ودرس في النحو ثم تمارين. ولكن إتمام درس كل يوم لم يكن سهلا إلا بتخصيص عدة ساعات من اليوم. وكانت وتيرة الدروس وتعقيدها تتزايد مع التقدم فيها.
لم أكمل ذلك المقرر. ولكنه كان تمهيدا جيدا لدراسة مقرر الإنجليزية الخاص بثانويات الدولة.
مفتاح إجادة اللغة أمور:
– الانتظام وقد رتبته على نفسه بشكل صارم. ساعة للإنجليزية كل يوم التزمت بها خلال عشرة سنوات على الأقل.
– التمارين وذلك يقتضي أن يكون القلم بيد الدارس والورق تحت يده لإنجازها. فالتمارين هي مفتاح دراسة اللغة شفهية كانت أو مكتوبة. وبدون التمارين أو بتمارين غير كافية لا تثبت الكلمات الجديدة في الذاكرة ولا تحصل ألفة مع استخدامها في تركيب جمل، ولا يتكون ذوق وموسيقى تمييز السقيم من المعتل من الكلام بالسليقة ودون حاجة لاستحضار القواعد.
– الاستعانة بالآخرين ممن لديهم خبرة أفضل.
والنقطة الأخيرة كانت مهمة للغاية باعتبار أن الإنجليزية تفتقد القياسية في النطق والكتابة.
وقد استفدت في تصويب ما أقرأ من أصدقائي من تلاميذ الثانوية. وأذكر أن قريبي عبد الفتاح وجدني أقرأ الجملة التالية I have a stomach ache ومعناها (تؤلمني معدتي) هكذا (آي هاف أو ستومايتش أيتش) فضحك طويلا وصحح لي النطق إلى (آي هاف أو ستاميك أيك).
وغياب القياسية في الإنجليزية مما يصعب تعلمها ويعقده. ويجعلها تبدو غريبة بالمقارنة مع لغات أخرى مثل العربية. ولكن لانتشار هذه اللغة وتعلق الناس بها فإنهم يغفرون لها كل عيوبها وينسبون الصعوبة في تعلمها لأنفسهم وليس لها.
لم تكن الموارد المساعدة في التعلم حينها بوفرتها اليوم. وكان الحصول على شريط تعليمي للغة ميزة عظيمة. والكثيرون كانوا يتابعون برنامجا لتعليم الإنجليزية على إذاعة بي بي سي. لكنه كان أقرب إلى برنامج للتسلية منه للتعليم.
سجلت في شعبة الأدب الإنجليزي بكلية الآداب بجامعة الرباط سنة 1995.
فعلت لأني أحتاج تحسين معرفتي باللغة بطريقة نظامية. ولكن بسبب الارتباط بالعمل في العيون على بعد 1300 كيلومتر من الرباط لم يكن ممكنا لي الحضور بشكل منتظم للدروس.
بناء عليه كنت في حاجة لطالب يتعاون معي في مدي بالمقررات وربما إرسالها إلي في العيون بالبريد. ومساعدتي في التعامل معها خلال التحضير للامتحانات.
بحثت في الفصل خلال الحصص الأولى وتعرفت على زملائي الطلبة ومدى اهتمامهم بالدراسة وانتظامهم في الحضور وجديتهم.
وأخيرا تحدثت مع نور الدين عمروس وهو شاب ريفي من مدينة الحسيمة. رحب بطلبي بكل ود. ومن تلك اللحظة بدأنا صداقة كنت الطرف المستفيد فيها أكثر طيلة خمس سنوات (أعدت السنة الرابعة) زودني خلالها بنسخ المقررات وساعدني في فهمها والتحضير لامتحاناتها.
كان نور الدين طالبا يحب المادة التي اختارها للدراسة ولم يكن من أولئك الذين جاؤوا للكلية مضطرين بسبب توجيه الأهل أو لمجرد أنه لا بد من الدراسة الجامعية.
وكان متفوقا في اللغة بشكل استثنائي مع أنها لغته الرابعة. فلغته الأم هي الأمازيغية الريفية، ولغته الثانية العربية والفرنسية والإنجليزية هما اللغات الثالثة والرابعة. واللغات المذكورة تنتمي لثلاث أسر لغوية مختلفة وتستخدم ثلاث خطوط مختلفة. مما يجعل نور الدين واحدا من آلاف الأشخاص رباعيي اللغة في المغرب. وهي ظاهرة فريدة.
وبسبب التفوق فقد كان يدرس بشكل مرتاح. لم يكن يرتاع حين تقترب الامتحانات بل كان يحافظ على الابتسامة والاسترخاء خلافا للحالة التي تسود باقي الطلبة.
ومنذ الحصص الأولى تبين أنه أفضل دفعته. مما دفع عجوزا إيطالية كانت تدرسنا مادة “القراءة الموجهة” إلى أن تقول له بعد أن ألقى عرضا كلف به “إنني أرى أمامي أستاذا في هذه الجامعة.”
كان حدسها في محله فبعد تخرجه سيصبح نور الدين أستاذا جامعيا للأدب الإنجليزي. وقبل ذلك كان أستاذي شخصيا طيلة سنوات الدراسة الخمس. وكانت شروحه وتوضيحاته تختصر في أيام ما تلقوه خلال سنة.
إنها صداقة عرفتني معنى “رب أخ لك لم تلده أمك”. وهي صداقة تحدت مسافات الجغرافيا وفوارق الثقافة وبينت كم هو قريب الريف في أقصى المغرب من الصحراء في أعماق الجنوب.