“لا تُعقد الأمور يا صديقي”، “خذ الأمر ببساطة”، “لا تُفكر في الأمر كثيرا”، “انس”، “لا تنزعج”، “لا تكن حساسا”… جُمل لا شك أنك قد قلتها ذات مرة لشخصٍ ما، وإن لم تكن قلتها ففي الغالب قد قِيلت لك…هي كلمات تُقال للشخص الحساس، وكأنه لا يحتاج سوى لكلامك هذا كوصفة سحرية ليتخلص من حساسيته الزائدة تلك، لكن دعني أخبرك أن الأمر أعمق بكثير مما تتخيل!
الشخص مُفرِط الحساسية -سواء كان على دراية بالأمر أم لا- يميل بطبعه إلى التعمق في الأمور والغوص في التفاصيل، وذلك راجع إلى اختلاف في تركيبة جهازه العصبي حيث يتميز بالمعالجة الحسية الدقيقة والسرعة في الاستجابة للمؤثرات. يُمكن لمزاجه أن يتغير بكلمةٍ واحدة، بل وتأخذ هذه الكلمة حيزاً كبيراً من تفكيره وتظل تتردد في عقله طيلة اليوم مصحوبة بأحاسيس قوية، سواء كانت كلمةً جارحة أو كلمة لطيفة طيبة فإنها تترك أثرا كبيرا، إما أن ترفرف به في سماء الفرح أو أن تضرب به بقوة فيرتطم بالأرض.
وأحيانا، قد لا تكون كلمة بشكل مباشر فقد يؤثر فيه مجرد إحساسٍ أحَسّ به، من المؤكد أن إحساسه هذا ليس دائما صحيحا؛ فمعالجته الدقيقة والمتعمقة للأمور قد تجعله يستنتج أشياء لا أساس لها من الصحة. هو سريع التأثر بحالة الآخرين وبمزاجهم، دمعته سريعة قد يبكي لبكاء صديقه أو لمشهد حزين في فلم ما، يفرح لفرح الآخرين ويحزن لحزنهم، يتعاطف معهم بسرعة ويشاركهم مشاعرهم. سريع التأثر أيضا بالأحداث والمواقف وبالماضي، فما إن يحدث له موقف ما حتى يبدأ عقله باستحضار كل المواقف المشابهة الماضية بل ويتذكر كل تفاصيلها، كل كلمةٍ قيلت وكل إحساس أحَس به حينها، وما أدراك ما إحساسه، إحساس ينبع من أعماق أعماقه. يهتم كثيراً بالتفاصيل، بكل تلك التفاصيل الدقيقة التافهة والبسيطة جدا التي لا تُلقي لها أنت بالاً وقد لا تلاحظها أساسا، فإن كُنت مثلا تتحدث إليه فإنه لا يركز فقط على كلامك، بل قد يلاحظ تغير نبرة صوتك معه، طريقتك في الحديث، ملامح وتعابير وجهك… قد يراه الآخرون انطوائيا، خجولا، غير اجتماعي أو يميل إلى العزلة، لكنه فقط يجد صعوبة في التعامل مع كم هائل من المؤثرات في آن واحد كما هو الحال في الاجتماعات الكبيرة من الناس. مُفرط في حساسيته ومفرط في كل شيء، إذا ما أحب أَفرط في حبه وإذا فكّر أفرط في تفكيره وحتى إذا تألم أفرط في ألمه…
إذا كنت شخصا مفرط الحساسية، أريدك أن تعلم جيدا أن هذا ليس عيباً في شخصيتك وإنما هي ميزة، وليس ضعفا وإنما قوة، عليك فقط أن تتعامل معها بشكل صحيح، لا تحاول تغيير شخصيتك بل افهمها وتقبلها، وحاول أن تتعامل مع المؤثرات الخارجية (الأشخاص مثلا) بذكاء، ومع المؤثرات الداخلية (أفكارك وأحاسيسك) بإيجابية، استغلها في كل ما هو إيجابي ولا تدع الأحاسيس السلبية أو مشاعر التوتر والقلق تسيطر عليك، استغل شخصيتك ووَجِّهها لصالحك؛ فالشخص الحساس يتمتع بحس عالٍ من الإبداع والابتكار والفن، لذلك، ابحث في داخلك عن مواهبك وأخرج إبداعاتك، فأنت تتميز بالذكاء، وسرعة البديهة، والقدرة الكبيرة على التركيز والتحليل، إضافة إلى قوة العزيمة والإرادة… وهذا كله يعمل لصالحك.
أطلق العنان لقدراتك، فشخصيتك الحساسة هذه لا تشكل أبداً عائقا أمام تحقيق أهدافك وطموحاتك. أما إذا لم تكن شخصا حساسا وكنت تعرف أحدا بهذه الصفات، فحافظ عليه؛ لأن الشخص الحساس غالبا يملك قلبا طيبا، ومشاعره صادقة، يحب بصدق، ويفرح بصدق، ويتعامل معك بالطريقة التي يريد أن يتعامل بها الآخرون معه، يتعامل بحذر، وينتبه لكلامه معك ولتعامله لأنه يخشى مضايقتك، هو مستمع جيد، ومتعاطف، وقادر على فهم مشاعرك..
إن كنت تعرف أحدا بهذه الصفات، حاول فهمه، ولا تقس عليه، وعندما تفكر في قول جُملة له من قَبيل ما أشرت إليه في بداية المقال، اختر الوقت المناسب والطريقة المناسبة لقولها. الشخص الحساس، لا ينسى المواقف، ولا ينسى الكلمات، ولا ينسى ما أَحَس به. وإنَّ أقسى ما قد يواجهه أنْ لا يجد من يفهمه، فرِفقاً بهم، رفقاً بأصحاب التفاصيل!