وأنا في زيارتي لجارة لي في المستشفى الأسبوع الماضي، رأيت رجلا يظهر في سن الأربعين يبكي بحرقة أمام باب الاستقبال، لم أستطع أن أتمالك نفسي حتى وجدتني أبكي وأسأله ما سر هذا البكاء الهستيري، فأخبرني أنه فقد زوجته التي كانت مصابة بالسرطان في الجهاز الهضمي.
لم أستطع إيقاف دموعي لأنني شعرت بما يشعر به، فأنا أيضا فقدت شخصا غاليا بسبب هذا المرض الخبيث. قال لي: كنت أعلم أنها مصابة بمرض سيؤدي حتما إلى موتها، فتواجده في مكان كالجهاز الهضمي لا يمكن التخلص منه بسرعة أو بمجرد حصص الأشعة. إنني أبكي ولن أسامح نفسي طيلة عمري على ما سببته لها من جرح. حينما اقتربت أن توافيها المنية أخبرني الطبيب أنه لا أمل في شفائها وأنه يجب إخبار كل أقربائها من أجل أن يأتوا لرؤيتها، قال في تلك اللحظات: اقتربت منها، لمست يديها وهمست في أذنها قائلا: أحبك وأعشقك، فابتسمت وقالت: لقد فات الأوان.
دموعه كانت كسيل لم ينقطع وهو يقول نعم لقد فات الأوان، فهي كانت تنتظر هاته الكلمة منذ زمن بعيد، لكنني كنت دائما أخفي مشاعري تجاهها تحت ما يسمى بالغرور أو الكبرياء، لم أكن لأخسر شيئا لو أنني قلتها ولو بصوت عال وأمام الملأ، نعم، إنني أحبها فهي زوجتي التي لطالما ساندتني، وها أنا ذا خسرتها كليا، لقد كانت دائما تقول بأنها تحبني بعينين يملؤهما دفء العشق الذي كانت تكنه لي ولكنني أرد بصوت بارد: وأنا أيضا فقط، دون أن أتفوه بكلمة أخرى.
عدت إلى البيت وأنا متأثرة كليا بما حصل وبما قاله لي، وجدت أن تلك المرأة كانت على حق، لقد فات الأوان على كلمة حب، ربما كانت تنتظرها بفارغ الصبر طيلة سنين زواج.
في قصة أخرى، امرأة من العائلة توفي زوجها إثر حادث سير منذ أكثر من ثلاث سنين، لا تستطيع أن تلبث يوما دون البكاء عليه، تقول: لقد ندمت على الحياة المليئة بالنكد والحزن التي أهديتها إياه، كان يحبني كثيرا ودائما يتوق لرؤية ابتسامتي، إلا أنني في المقابل كنت أنكد عيشته على أشياء تافهة لا تستحق العناء. كان يفعل ما بوسعه لكي نكون تلك العائلة السعيدة التي لا ينقصها شيء، ولكنني لم أكن ألبث مرتاحة البال حتى أعكر صفوه باختلاق مشاكل لا أساس لها. لو بإمكاني إرجاع الماضي ولو ليوم لبحت له بحبي الكبير له والذي حولته إلى جحيم دون أن أشعر، تحت ما يسمى بالكبرياء الذي لا أجد له معنى في حياتي الراهنة. ليتني كنت أعتذر منه عندما أخطئ في حقه.
شخص من معارفي بسبب عناده الشديد على طلب العفو من خطيبته التي وقع بينه وبينها شجار لا يستحق الفراق، يتحسر اليوم على رحيلها لتجد شخصا آخر فتتزوجه. يقول: إنه لم يرد إخبارها أنه لم يحب امرأة مثلها من قبل، لم يدعه عناده أن يحاول إصلاح الأمور بعقلانية. ندم بعد فوات الأوان وبعد أن أصبحت ملكا لرجل آخر.
هي حقيقة ولا يجب نكرانها، نحن دائما ما نخبئ ما نشعر به من حب، أو شوق أو حتى لوم تحت عذر لا وجود له، ككبرياء، أو غرور، أو عناد أو خجل. بالرغم من أنها كلمات يمكن أن تدخل البهجة والسرور على الطرف الآخر سواء كان زوجة، أو زوجا، أو صديقا أو فردا من أفراد العائلة. نحن لا نفكر بمنطق ما إن كنا سنخسر هذا الشخص فنكتشف آنذاك أن هذه الكلمات والتعبير عن هاته المشاعر سهلا ولا يتطلب منا الكثير، فهي ليست فلسفة أو فيزياء يتطلب منك التركيز والمثابرة.
لا تدع الوقت يمر حتى يفوت الأوان على طلب العفو إن شعرت بالتقصير تجاه الآخرين، لا تدع الوقت يمر حتى تنطفئ شعلة فرح المخاطب، لا تدع في نفسك شيئا لم تعبر عنه لأحبتك سواء كان لوما، طلب عفو أو حبا، لأنك وبكل بساطة ستستيقظ يوما ولن تجد هذا الشخص، ربما ستوافيه المنية أو سيرحل ليبدأ حياته بعيدا عنك، في ذاك الوقت سوف تندم وتبكي وتطالبه بالرجوع المستحيل.
أحسنوا إلى من تحبون، ضمدوا آلامهم بأفعال وأقوال لا تحتاج مجهودا أكثر من النطق بها، أنيروا قلوبهم بكلمات بسيطة، أو بمواقف مثيرة قبل فوات الأوان، ربتوا على روحهم الهشة ولملموا انكساراتهم، فإن شعور الندم بعد الرحيل قاتل والشوق بعد الموت لا يطاق.
فلا تترك في نفسك شيئا يقال لشخص، متى سوف يرحل أو توافيه المنية وتصبح رؤيته في منامك من أجمل متمنياتك.
عبر قبل فوات الآوان.