في سن الرابعة … أتذكر حين شدّني بعنف أحد الرجال أنا و أخي من يدي و صرخ في قائلا : « ماذا تفعل هنا ؟! » لمجرد أننا كنا نلعب في حديقة صغيرة لعمارته … و أتذكر بالمقابل كيف شجعني معلم الابتدائي حين قال لجميع القسم أنهم عليهم أن يقتدوا بي في الأخلاق و الدراسة و سني يبلغ السادسة من العمر … أتذكر حين صرخ في وجهي رجل الحي لا لشيء إلا أنني ألعب بكرة فأزعجته … و أتذكر بالمقابل كيف كان معلمي في الثالث ابتدائي يؤمنني على القسم في غيابه و يعطيني وقت خارج الحصص الرسمية لأتعلم حسن الخط لأنني لم أكن أتقنه و كيف استهزأ بي معلم الحصّة الثانية أمام القسم كله بوصفه لهذا الخط و كأن بعوضة تلطخت بالحبر ثم راحت تتجول في الكتاب وسط ضحكات الجميع … أتذكر كيف كان معلمي يطلعني على مقالاته التي كان يكتب لجريدة جهوية ليسمع رأيي و كيف أنه في رمضان يدفعنا للمجيء للمسجد لإعداد الفطور للفقراء و صلاة التراويح …

أتذكر كيف استهزأ بي زملائي في الابتدائي و أفراد عائلتي لأنني كنت نحيفا جدا و كيف بكت أمي حين فعل ذلك بعد الأطفال في الشارع و هي تمسك يدي و كذلك لأنني كنت ألبس نظارات في سن مبكر نظرا لحادث أذكره ثانية بثانية في باحة استراحة المدرسة و كيف أن المعلم المسؤول عن الحراسة أراد التهرب من المسؤولية حين ظن أنني فقدت بصري … أتذكر كيف كانت صدمتي لأول مرة أرى بعيني ما هو الكذب و النفاق و السرقة حيث لم أصدق أن ذلك ممكن … أتذكر لحظات فرح في نجاحي و سفري و لقائي مع عائلتي الصغيرة و الكبيرة و هدايا القريب و البعيد … أتذكر كيف كنا نلعب دون انقطاع أو ملل لمدة يوم بأكمله مع أبناء حيي و عائلتي و لا نعود للبيت إلا للأكل و النوم في العطل … و كيف كنا نمضي يومنا في الرمل و الماء دون انقطاع من العاشرة صباحا إلى لحظات الغروب حين يصطحبنا الوالد إلى الشاطئ … و كيف بكيت حين تهت في نفس الشاطئ و تم اصطحابي إلى مقر الوقاية المدنية ثم حين و جدني فرد من العائلة نهرني عوض أن يضمني …

تقوم الكلمات عبر الزمن بالتأثير على الإنسان سلبيا و إيجابيا لا سيم خلال الطفولة و المراهقة … يمكنني سرد تفاصيل التفاصيل حيث أنني أذكر آلاف اللحظات الإيجابية والسلبية ثانية بثانية منذ طفولتي و حتى يومنا هذا … لا لشيء إلا لأنني إنسان … و قولوا للناس حسنا !