أتذكر في عام 2012، فقدت أشخاصا عزيزين على قلبي، قضوا نحبهم في حادثة سير مميتة، آنذاك كنت أنا الشخص “المحظوظ” الذي يرفع سماعة الهاتف ويتلقى الخبر والصراخ الآتي من الجهة الأخرى..
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد كانت الحادثة ليلة يوم عرفة أي قبيل يوم عيد الأضحى، حينها سافرت العائلة إلى البلدة لدفن الأحبة الذين غادرونا على حين غرة تاركين غصة في نفوسنا.
جاء يوم العيد، فاجتمعت مع أبناء خالتي على طاولة الفطور، كان التلفاز على عادته مُشغّلا دون أن يأبه له أحد من فرط التفكير والشرود، وفجأة بدأ برنامج “ديني” وكان موضوع حلقته “الصبر على فقدان الأحبة في الموت” حينها همّ أحد أبناء الخالة بتغيير القناة إلا أن أخته رفضت معتبرة الأمر “رسالة من الله” إلينا.
آنذاك اتضح لي أن كل ما يقع في حياتنا ليس صدفة، بل هو تخطيط إلهي منسوج بدقة متناهية.
كان يُفترض أن يكون موضوع البرنامج التلفزيوني آنذاك عن عيد الأضحى، لكنها كانت حلقة غريبة تحدث خلالها مُقدم المحاضرة باستفاضة جذبتنا جميعا.
فالصدف غير موجودة بالحياة، فهي وهم اختاره الناس كي يختبئوا وراء دهشتهم من اللحظات المفاجئة دون سابق إنذار وتجعلهم في قرارة أنفسهم يطرحون مائة تساؤل حول ما حصل لهم، ليُصنف بعدها تحت مسمى “الصدفة” ويتعايشون معها على هذا الأساس “الخاطئ”.
نحن بطبعنا لا نعترف بالحقيقة ولو كانت غير مؤذية، لكننا دائما نفضل الكذب على أنفسنا، فما اخترته اليوم من قرارات شخصية سواء في دراستك أو علاقاتك الاجتماعية أو وظيفتك كلها لسبب سيأتي بعد مرور أيام أو سنوات أو عقود، لتكتشف حكمة الله وراء ذلك، وستعترف لنفسك دون أن يجبرك أحد على قول الحقيقة، ستخبر نفسك أن كل لحظة من حياتك، قرارا كان أو موقفا أو حادثا أو تجربة فاشلة…فهو حدث لسبب يخفي خبايا عظيمة، مرتبط تزامنا مع مواقفك الحياتية وعليه تستمر حياتك، لا يمكن أن تقطع ذلك الخيط الرابط بين كل لحظة من تلك اللحظات أو تلك المواقف لكي تقتنع أن هذه هي الطريقة المثلى للعيش بسعادة، صحيح أنك مسؤول عن قراراتك وكل ما يحصل معك هو نتيجة تصرفاتك وكيفية احتكامك لعقلك، هذا القول لا شك فيه، لكن من ناحية أخرى لابد من التكيُّف مع التغيرات بمستوى انفعالي مقبول نستطيع خلاله التمسك بزمام الأمور.
فكل لحظة أو همسة أو خطوة أقوم بها هي نتاج لحظة قبلها ولحظة ستأتي بعدها، فالعالم بكل ما فيه عبارة عن فكرة خطرت ببال شخص ما تحولت فكرته إلى فعل (هذا إن حرّر أفكاره وخرج من الصندوق) لتبنى فتصبح مشروعا ثم قصة نجاح، فلا يعي كل ذلك إلا بعد مرور زمن طويل، إلى أن تطرح (نفسه) السؤال: كيف وقع كل هذا؟ يرجع بتفكيره قليلا إلى الوراء ليستنتج أن الفكرة الساذجة آنذاك قلبت الموازين ولم تكن اعتباطية.
تذكروا دائما أن قصتكم أنتم تحيكونها وتنسجونها بخيوط قراراتكم وخططكم، وكل ما يمر من أحداث حياتكم قد يشكل فاتحة خير لن تدركوها إلا بعد حين، ففقدانك لوظيفتك، أو فشل محاولاتك في التسجيل بمعهد أكاديمي كنت تحلم به، أو ندمك على سنوات دراسة لأمر لم تكن ترغب به، كل ذلك لم يكن عبثا، فهذه الأشياء التي كرهناها ولعننا حظنا فيها هي التي ستحدث الفارق في حياتك وهي التي ستفتح لك الأبواب التي كنت تحلم أن تمر بجوارها، استمتع بكل ما هو بين يديك حتى لو لم ترغب به، فحتما لم يأت صوبك عبثا بل لسبب تجهله الآن، وستعرف حقيقته غدا.