بعد أن سمعت أغنية “بيناتنا في بحر” للجميلة فايا يونان، تحمست لأتقاسم معكم بعض الخواطر التي ذكرتني أننا جميعا نمر من مراحل متعاقبة من التوهان والبحث المتجدد عن المعنى لحياتنا، تلك اللحظات الفارقة بين مقامات القوة والضعف، وبين مطبات الحيرة والسؤال.
أعلم يقينا أن لكل زمنه الخاص، وقت ينطلق فيه كصاروخ غير مبال بالسنوات التي ضاعت منه ولا الأحلام التي هربت منه، تلك اللحظة الفارقة بين مشاعر الإحباط والقلق، وعواطف الحماسة والرغبة القوية، لكن الذي يحيرنا جميعا هو لما تتقدم ساعة أحدنا ويتأخر الملايين منا عن ركب الفرص الجيدة؟ أهو الاستسلام والرضا بأنصاف النتائج؟ أم هي حواجز نفسية تتضخم مع توالي الأيام؟ أم هي أشياء وتفاصيل يصعب إدراكها؟
فمن خلال تجاربنا الشخصية، تبرز حقيقة عظمى، وهي أن أحلامنا تتقزم، وتصغر وقد تختفي إذا غابت عوامل التحفيز الذاتي من استبصار بالاحتياجات النفسية، وتفقد لمواطن الضعف والقوة، وتقلص مساحة الإيجابيين في حياتنا وتزايد الضغوطات وأصحاب النظرات السوداء من حواليك.
وقد تختفي طموحاتنا نهائيا إذا لم تُسقَ باستمرار بماء الإنجاز وتوالي المحاولات المتكررة، فكم من عمل صغير تم تحقيقه بإتقان، وبشكل مكرر، شهد في النهاية تطورا وأحدث فرقا كبيرا في حياة الإنسان، فكل منا يتمنى أن يتخلص من عاداته السيئة من تسويف، وتبرير، وتعليق شماعات الفشل والتأخير على الظروف وعلى الآخرين، تلك العادات غير السليمة تحولت لثقافة وسلوك، وشتان بين مدارج الأمنيات ومسالك الفعل والتطبيق.
ولا أنسى أن أذكرني وإياكم أن الحكم على تجارب الآخرين دون التوفر على معلومات دقيقة ظلم وإجحاف، فمن غير اللائق ولا اللباقة أن تقدم رأيك في مسار الآخرين وأنت لا تجمعك بهم رابطة إنسانية، وإلا صنفت ضمن الغرباء الفضوليين والمزعجين، وتستحق حينئذ وسام الحذف من قائمة التواصل.
أعرف الكثيرين انحرفوا عن سكة شغفهم، بسبب ظروف وأحداث أقوى منهم، فكثير ممن تعطل مساره الأكاديمي ربما بسبب ظروفه المادية، أو تفرغه للأمومة أو الأبوة، أو ظرف صحي عطل قدراته الشخصية، وأسباب أخرى يعلمها الله وحده، والبعض لم يَخُض بعد تجربة الزواج ربما لأسباب مركبة، أو ببساطة لم يجد نصفه المناسب، والبعض لم يغير عمله لغاية في نفسه أو عقله، أو ربما لم تنضج بعد تجربته المهنية ليقدم على قرار المغادرة أو تأسيس مشروعه الخاص. الأسباب متعددة، بحيث لا يمكننا أن نصنف الناس وفقا لتوقعاتنا، ونظرتنا السطحية، فكثير منهم لو لم يتكيفوا مع تغيرات حياتهم لكانوا الآن في عداد المفقودين، فكثير من التقبل والمرونة مطلوب حتى لا تحطمنا دروب الحياة.
آمل من خلال هذه الكلمات أن أبث في كل عقل وقلب روح التشجيع والأمل، وأننا جميعا نستحق الأفضل في العلم، والعمل والعلاقات الإنسانية، وألا نكسر روحا تريد أن تنعتق من روتين الحياة، وكآبة المحيط الذي تعيش فيه، ولنذكر بعضنا البعض كأصدقاء وكمقربين بأحلامنا الرائعة والمجنونة، ولتغدو مجالسنا لطيفة، ومؤنسة ومحفزة، بعيدا عن لغة الشكوى والحسرات والتباكي، فلا تدري لعلك تكون سببا جميلا في تطور أحدهم، ولا نكن من أصحاب المقولات المتخلفة، البائسة التي تعطل وتنشر اليأس والقلق، فليس للتغيير سن معين، ولا وضعية معينة، حتى لو اضطررنا للتخلي عن أحلامنا السابقة، فلنبحث عن حلم جديد، عن شغف وحب يجعلنا على قيد الحياة.
يكفي من النسخ المتكررة الموجودة في عالمنا، ومرحبا بشيء من التغيير ليحيي الكثير من الجمال والنجاح.