منح الصدق

مكنة البيان القلبي أثناء حُبْسَةِ البيان اللساني، منحة المحنة، وتلكم المُكنة مكنت لموسى عند الله مُقاما كريما حتى أواه لرحمته فسماه كليما. وذا مبلغ لم يكن لأولي الفصاحة رغم بلاغة أقوالهم.
وزاده على مقامه شرف إتيانه الحجج البالغة والمعجزات الدامغة لكثير من أقاويلهم وأكاذيبهم، ووهبه بعد الشرف مِنَّةً منه قبول رجاءه بتعضيد إزره بأخيه الحليم حلا لعقدة لسانه فنافح عن دين الواهب بأحسن بيان، حتى آنتظم له ما أراد وبلغ بذاك المُقام المراد.




ذاك هو الصدق إن أجراه الرحمان على اللسان رفع قدر الإنسان وأخرجه من شرنقة العبد التائة إلى نورية العبد العارف، فرب عبد ركيكٌ مقاله صادق قلبه لأقرب عند الله من فصيح البوح بعيد القلب، أوليس القلب في الأخير كما قال جان جاك روسو: القلب الصادق هو معبد الرب الحقيقي.
الصدق هو تلك الخطوات الأفقية الثابتة التي تسير بالفرد نحو الكمال الإنساني، ولعمري إنها غاية المرء ما دام أنه يحيى.

Sudanese Muslim Man
مقالات مرتبطة

هذا الأخير إن نظرنا له من زاوية سيكولوجية عبارة عن حالة من التصالح التام مع الذات بحيث تتقبل نفسك كما أنت ولا تخدعها بأوهام قصد تحقيق الرضا عن النفس وتقبل الواقع، الصدق تقبل الواقع والحقائق كما هي، من دون تحريف ولا تحوير، ولفهم الأمر جيدا وجب علينا آستدعاء نقيضه لفقهه على أتم وجه، نقيضه هو ذلك السلوك السيكوباتي المضاد للنفس أولا بعدم تقبله الحقائق على ما هي عليه ، والمضاد للمجتمع، فالإنسان الكاذب ما هو إلا شخص ذو مستوى ضعيف من تقدير الذات، وتدني مستوى هوية الأنا، بحيث لا يستطيع ككيان التوافق مع من حوله فقط لأنه يشعر دائما أنه أقل من الجميع، هذا خلل نعم، ولكن كيف يتولد هذا الخلل؟
إن هذا الخلل كغيره من السلوكات النفسية نتيجته مرور الشخص الكاذب بأزمات نفسية صعبة أو نقص في الإشباع العاطفي تحول دون الإتزان النفسي لديه.
فالصدق في الأخير آتصال بالنفس ونقيضه انفصال عنها.
الصدق وحده رافع قدر صاحبه، يسحبه من الدون للعلى، مشكلا طفرة على كل المستويات.
الصدق آختيار والكذب كذلك.
بالأول المفاتيح [ الأرضية- السماوية]، وبالثاني المغاليق. ولا يظلمون فتيلا.
فآختر…!!!