الانفصال جزء من الحب..

هناك بعض العلاقات التي لا تنتهي رغم الانفصال، حتى وإن سلك الطرفين فيها طريقين مختلفين وتقطعت سبل الوصال بينهما، فلا أحد يوصد بابه بشكل نهائي ودائم. هذه العلاقات أشبه بالليالي الطويلة المقمرة التي يسودها الهدوء، ناعمة ومريحة، تودها لو أنها لا تنقضي وتكون خالدة، رغم يقينك التام أن الصبح سيحل، لأنك أحببتها وأحببت كونك جزءاً منها. هناك أشخاص لا يسري عليهم قانون النسيان وليس الفراق أو البقاء من يحدد مكانتهم في حياتنا، إنهم يقيمون بداخلنا حتى وإن تخلوا ورحلوا، فأحاديثهم وحركاتهم وكل شيء يخصهم تفاعلَ مع جيناتنا وأعطى جينات أخرى تحمل بعضاً منهم، هؤلاء الاشخاص هم أناس تربى بيننا وبينهم الاحترام قبل المحبة، جمع بيننا وبينهم حسن الظن والعطاء المتبادل، كنا جيدين كفاية حد أن لا أحد فكر للحظة أن كل شيء بيننا سينهار ويندمل يوماً، أخذتنا الحياة الدنيا في سبل متفرقة، أحببنا العودة لكن الطرق تأبى أن تتوحد، وتظل القلوب شاكرة لكل شيء و يظل الانفصال قائماً على كل شيء إلا عليها.
القلوب المحبة الصادقة تعلم أن الانفصال جزء من الحب، لذلك عندما يفترق شخصان فهذا لا يعني أنهما سيموتان قهراً من عذاب الحب والقطيعة، هو الشوق سيفعل فعله وسيُجبر كل شيء في الانسان إلى الخضوع له، وسيُبكيه ويؤرقه كثيراً، وسيكبر الحنين في كل يوم مع كل ذكرى ومع كل نبضة حب تزداد، لكن لا أحد سيغادره النفس، لأن هذان الشخصان قررا أن لا تجمع بينهما الأيام المقبلة، ربما كي لا يؤذي أحدهما الآخر بدون قصد، أو لأن أحدهم له ظروفه الخاصة ويريد إسقاط العلاقة حتى لا يرهق الآخر…أو لأن الموت قررت أن تخطف أحدهما على عجل. الموت كذلك شكل من أشكال الانفصال، لكنه الشكل الأشد ألماً وندماً، لأن كل الأعذار السابقة تبدو تافهة أمامه، فما دامت هناك حياة فهنالك فرصة ثانية.
يقولون أن البعد يزيد الحب بلة. لقد أصابوا فليست كل علاقة تنتهي تتوقف عندها المودة والاحترام والوفاء… أحياناً كل هذا يزداد حجماً أمام أعين البعد، ولا تصير تبحث عن الخلاص والنسيان، بل تعيش وفياً للذكريات، وكلما مررت على الصور تتذكر تفاصيل واللحظات الأولى محباً وممتناً، فتبتسم لها وتغمرك ذات الأحاسيس التي كرهت أن تكون ماضٍ حتى وإن كانت ستمسي ماضٍ جميل، وتقدر قيمة ذاك الشخص الذي كان يوماً ملاذك ومذكراتك، وعلى غفلة منك تجد نفسك أنك أحببته من جديد، يستمر بك الوضع هكذا إلى أن تظن أن الفراق بينكما مجرد جسر تعبران عليه لتلتقي أروحكما فيه من جديد.
مقالات مرتبطة
كل تلك القيم الأخلاقية التي تخللت مثل هذه العلاقات تبقى قائمة لا يضمحل مفعولها، فأحياناً تصبح أكثر تركيزاً. إن تلك الإرتباطات التي سادها الاحترام والتقدير والتعاون في الضراء قبل السراء، وحافظوا على تلك الصورة الطيبة لبعضهم البعض، وحينما يصادف أحدهم تواجد الآخر بأحاديث الناس من حوله فهو لا يتصرف وكأنه لا يعرفه، فأحياناً يظن البعض أن الانفصال لم يزرهما، لأن طريقته في الحديث عن ذاك الشخص بأرق العبارات تلغي عقد الفراق بينهما؛ فغالبا ما تتوج باللقاء والاجتماع ثانية، قد حدث توقف للزمن بينهما لكن قلوبهم استمرت في تحريكهم نحو بعضهم البعض، فازدادت قوتهم. فالقوة حقاً لا تكمن في من سيستطيع نسيان الآخر أولاً، نحن لسنا على حلبة الصراع، فقلوبنا لم تخلق لهكذا عبث، والانتصار الحقيقي يكمن في أن لا نؤذي مشاعر من نحب سواء كنا معهم أو لم نكن.
عندما تنتهي صلتك بالآخرين وتظن أنه عليك أن تحس اتجاههم بنوع من البغض وتحاول تفاديهم كأنهم نكرة، وحينما تراهم في بلاء تشمت فيهم، وتفشي أسرارهم بين الملأ، وتحاول أن تسيء لهم قولاً أو فعلاً، فعذراً! قلبك ما كان يحب بالأساس، ولا حتى يدرك معنى هذا الشعور، فالحب لم يكن أبداً شقاً من الأنانية ونكران الآخر، لم يكن خبثاً ولا تلوناً كالحرباء، الحب يبقى أثره واضحاً حتى وإن زالت كل الروابط.
.
قلوبنا إن أحبت لا تعرف ماذا يعني الهجران، تغزل حكايا ترويها لكل كرية دم حديثة الولادة، لتجري هذه الأخيرة تقفز من الحب حتى توصله لكل بقعة جغرافية بالجسم، ويبقى الأمل بداخلنا مشتعلاً، وينبثق من بين ترائبنا لَيْلَكٌ بنفسجي عاطر، وكلما مررنا بالناس تركنا أريجاً طيباً.
ليست التعاريف المتداولة من تملي علينا القيام بأشياء لا نرضاها، وليست هي من تحدد ملامح قلوبنا، قد نتقبلها بحكم الظروف لكننا نعيد صياغتها لتعاريف نرضاها، فالانفصال قد يعني للبعض أنه نهاية النهاية، ويعني للبعض الآخر أنه نهاية البداية، ووسط كل هذه الدلالات والمعاني، لا تجعلوا المفاهيم هي التي تبنيكم بل كونوا أنتم من يبنيها، ولا تجعلوا بينكم وبين من تحبون وسطاء، فهناك أشخاص لا يحبون الحب ولا المتحابين ويحسدون الناس على سعادة قلوبهم، وإن انفصلتم وتباعدتم عن بعضكم فلا تتخلوا، إن الله الذي يمنع هو نفسه الذي يجمع.
1xbet casino siteleri bahis siteleri