الحب والمعنى: التوأم المشتهى

لعلنا جميعنا في العديد من مراحل حياتنا أو مجرد مرحلة واحدة، تملكتنا تلك الفكرة، ذلك الاعتقاد، بأن الحب هو الغرض الأسمى من الحياة، هو ذلك الحدث الذي بعده ستقترنُ أيامنا بالسعادة، ساعاتنا بالمعنى. وكيف لا؟ إذ ترعرعنا على الشاشات الصغيرة والكبيرة على أفلامِ وكلمات الأغاني، وفنون ولوحاتٍ، وغمزات ولكزاتٍ، أحاديث سرية وجهرية من العامة والخواص، بنية مجتمعيةٌ كاملة تمتد عبر الزمن تُصور الحب كالموت والولادة… شفرة قاطعة بين حقبتين مُنفصلتين تماماً. هناك في ذاكرتنا البعيدة تسرح جذور الفكرة في الأعماق، بحيث يوم يطرق الحب بابنا تصير الألوان اليومية العادية متوهجة وزاهية، وترتفع الرنة الموسيقية للأصوات، وتظهر حواس جديدة تتلقى وتستقبل معلومات الوجود بسعة أكبر وتكنولوجيا أكثر تطوراً.

إن هذا التعاطي للثقافة العامية والفنية على حد سواء مع كيمياء الحب يكاد يكون نفس تعاطي دكاترة الإدمان مع مخدر معين. قرأتُ ذات مرة في إحدى الدراسات أن الحالة الشعورية لرجل فقد ساقيه وآخر حصل على ثروة هائلة بعد عشر سنوات لا تختلف كثيراً. إذ مثلما تعود الأول على الفقد سيتعود الثاني على الرفاهية. لن يشعر بعدها الأول بإعاقته ولا الثاني بنِعمته. لعل هذا ما يحصل مع الحب. يصير طفلاً ملازماً لنا لا ننتبه له إلا حين يمرض، أو حين يتفوق في دراسته أو حين يكبر ويغادر بيتنا.

ما يصاحب الحب في اعتقادنا دائما هو المعنى، ثم حين تلتفتُ حولك لا تعرف ماذا تفعل لأن جميع القصص توقفت يوم اجتمع الأمير بالأميرة، والمزارعة الفقيرة بصاحب المصانع الثري، وابنة الوزير بسائق والدها.

مقالات مرتبطة

في كتاب طوق الحمامة، الذي يحكي عن حال أهل الغرام يستهل الكاتب سرده بعبارة مفادها أن الحب أوله هزل وآخره جد. حين نخاطب المحب نخاطب شخصا قد اقترنت معاني نفسه وحياته مع كينونة فرد معين، ولو حصل وتبينت أسباب الفراق لا يمكن أن يعي الأخير، خاصة في الأسابيع الأولى، أنه سيتجاوز الأمر، كالطفل حين لا يكون علينا أن نستصغر مشكلته ونستخف بها، بل أن نخاطبهُ من زاويته. لعل هذا يقودنا للتفكير في أن جميع المشاكل التي اعترتنا طوال أعمارنا تصير صغيرة ووضيعة مع الزمن… ما يجعلك تغرقُ في ذلك الاستفهام القديم: ما الذي كان يهم حقاً؟ يقول الفيلسوف باسكال: «Le cœur a ses raisons que la raison ignore» للقلب منطقه الذي قد لا يتعرف عليه المنطق نفسهُ.

حين يتم تفكيك الحب وتشريحه كما تعلمنا جميعا من الوثائقيات التي تطرقت للموضوع؛ حيث قسمت مراحله والهرمونات التي تفرز عند كل مرحلة، فشرح ظاهرة الحب بالطريقة العلمية لا يكفي لفك سحره وطرد طلاسيمه، ولن تجرده من كل الحمولات الثقافية والتاريخية وغيرها التي اكتسبها عبر السنوات.

سمعنا جميعا في أوقات معينة من حياتنا تفسير ظاهرة المطر، وكيف ينتجُ عن تكاثف بخار الماء ونظرية الاندماج. لكن هذا لم يخطف من شاعرية اللحظة كلما عاد فصل الشتاء وعادت الأمطار. كلما تساقط المطر يتساقط معه الحنين وسيلٌ من الذكريات والآمال المتواصلة مع خيط السماء. ولعل الحب ليس كالمطر، لكن من الأكيد أنه في الغالب يبعث الحياة في العمر كالربيع… نعتنق ما شئنا، وتخيب آمالنا مِن مَن شئنا ويظل الحب ربيع الحياة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri