قوة الأحلام

تتمحور قصة الأنيمي “ناروتو” حول فتى يترعرع يتيما، و يحلم أن يصبح الهوكاجي “رئيس القرية” الذي سيغير عالم الشينوبي (النينجا) وسيحل السلامُ على يديه، يواصل ناروتو التعلق بحلمه وتنضاف إليه أحلام أخرى تصب في تحقيق حلمه الكبير (إتقان تقنيات النينجا-التحكم في الوحش الذي يسكن داخله-إعادة صديقه للقرية…)، يستمد قوته –رغم كل المصاعب التي واجهته ورغم أنه منبوذ داخل قريته- من أصدقائه و معلميه و لاحقا من والديه اللذين سيزورانه في شيء أشبه بالحلم.

الشاهد في القصة أن الكاتب جعل هذا الطفل الصغير الذي لا يملك كاريزما خاصة وأبعد ما يكون عن الشخصية المحبوبة أو المميزة، جعل القوة التي ستغير المحيطين حوله وتجعلهم يؤمنون به هي قوة الأحلام التي يتباناها ويحارب من أجلها، حتى أصبح الجميع يشاركه ذات الحلم ويعملون من أجل تحقيقه كل بطريقته الخاصة، بل تحول الجميع من موقف السخرية إلى الدعم والتشجيع. ورغم أن القصة تحمل الكثير من الخيال و تجنح إلى الفانتازيا إلا أن الفكرة المحورية التي يقوم عليها الأنيمي فكرة واقعية قد تكون هي عصب الحياة رغم أننا لا ندركه.

الأحلام في حقيقتها أشبه بالمحرك الذي يزود المرء بالطاقة ليستمر في هذه الحياة، إنها الشيء غير الملموس الذي نصارع من أجل إبقائه حيا بداخلنا كي نظل بدورنا أحياء نرزق.

تختلف تمثلاتنا حول الأحلام لا شك، هناك من يعتبرها محض هراء، هناك من يسميها أوهاما لأنها لا تستند إلى الواقع، هناك من يبلغ إيمانه بها حد الافتتان ويعيش بها ومعها أكثر مما يعيش في واقعه، هناك من يؤمن أن الأحلام هي السبب الذي وُجدنا من أجله في هذه الحياة، هناك من يعتقد أنها إذا لم تتحول إلى أهداف عملية ملومسة فستبقى خيالا نجنح إليه ساعة اليأس أو بحثا عن الهروب من الواقع.

بالمقابل كثيرون يتحججون بالظروف والعراقيل التي تؤجل خروج أحلامهم من بوثقتها وفي الجهة الأخرى كثيرون يجزمون أن عزيمة الفرد وحدها واقتناعه بواقعية حلمه وبذله لمجهود كاف هي المفاتيح التي تجعل الحلم يتحقق، بينما يخاف كثيرون من البوح بأحلامهم، لا يخبرون حتى أنفسهم عنها خوفا من أن تسرق أو تقتبس أو لا تتحقق. ربما لا يعلمون  أن عدم حديثهم عنها هو ما يجعلها تُنسى في درج من أدراج الذاكرة، فنحن نتوهم أن الآخرين هم من يجعلنا نتخلى على أحلامنا إذا ما تقاسمناها معهم، بسخريتهم وتقليلهم من شأن ما نحلم به، لكن كل شيء يحدث بداخلنا ، كل شيء يتعلق بإيماننا بما نحلم به وبتيقننا ألا شيء مستحيل مع الإرادة.

الأكيد أننا لا نرى الأحلام من ذات الزاوية، لكن لا أحد ينكر تلك الفرحة التي تتملكنا ونحن نشاهد حلم أحدهم يخرج إلى الوجود صارخين: “نعم لقد فعلها” ولا أحد يستطيع أن يُنكر أنه يضع السيناريوهات التي يمكن أن تحدث إذا ما حقق حلما ما، كيف يرى في لحظات الخلوة بالذات أن مسار حياته قد يتغير إذا ما لاحق ذلك الحلم وآمن به وخطط له ووضعه من بين أولوياته.

مقالات مرتبطة

وعلى عكس ما يظنه الكثيرون فالأحلام تولد كبيرة ناضجة لكنها تصغر شيئا فشيئا كلما استمعنا إلى الأصوات المحبطة، تلك الأصوات التي تأبى أن يرى حلم أحدهم يخرج إلى الوجود حيا نضرا بعد أن تتملكها الرغبة في الشعور بأنها ليست وحدها من فقدت حلمها ذات استسلام، ليست الوحيدة التي خانته عن سبق الإصرار ورغم أنه أصر أن يتشبث بها أصرت هي أكثر على إرخاء يده متعمدة لأنها لا تملك الجلد والصبر على ما يتطلبه الحلم من إرادة، وبدورك ستعرف أنك خنته ساعة صممت آذانك عنه واستمررت في عيش حياة رتيبة خالية من التحدي والطموح، خالية من شيء تحارب من أجله ولا ترضى إلا أن تنتصرله.

قد تكون ممن استسلموا باكرا للظروف واختاروا العيش في منطقة الأمان التي يرضاها المجتمع لهم متخليا عن شغفك أو موهبتك أو حلمك، أو ممن رضي بالحياة الرتيبة الخالية من الطموح ومن الأهداف التي تتعب جدا وأنت تركض لتسجيلها، أو ممن اعتقدوا أن الأحلام هي للأطفال وأن تلك الأشياء التي طالما تمنيت تحقيقها وسكنتك في طفولتك الأولى ما هي إلا حماقات لا تستحق كثير عناء، ستتفاجأ كثيرا وأنت تنظر لنفسك في المرآة وأنت تشاهد صورة-في أعين الآخرين-مختلفة جدا عن تلك التي رسمتها لنفسك لا لشيء إلا لأنك اخترت أن تتنكر لما أردته لنفسك مقابل ما أراده لك الآخرون.

وبعد أن يسكنك الفشل ويتملكك تختار أن تكون قاتلا عن سبق الإصرار والترصد، لا تقتل حلمك فقط بل تقتل أحلام كل المؤمنين بها، تتصدى لكل محاولة للتميز والاختلاف، تنزعج من رؤية حلم يولد ويصبح حقيقة تنظر إليك بعينين واثقتين، بينما كان بإمكانك أن تكون يدا تمد، طريقا تمهد، حبل نجاة، ملهما، مرشدا، داعما لكل حلم وإن لم يكن حلمك الشخصي.

الأحلام في جوهرها هي ما يجعل معنى للوجود ويدفعك لوضع أهداف تقربك منها شيئا فشيئا، إنها ما يجعلك تنظر لنفسك نظرة أخرى إما صانعا لفتح عظيم أو متسببا في هزيمة مذلة، قد تجعل قلبك يخفق بسرعة وأنت ترى نفسك قاب قوسين منها وستجعله يخفق بسرعة أكبر إذا ما اقتربت من الانفلات من بين يديك، إنها ذلك الشيء الذي يزرع في قلبك الكثير من الخوف خشية ضياعها والكثير من التوجس من تحقيقيها، إنها تلك الأشياء التي تسكنك، تحتلك احتلالا، ليست خاطرا يزورك مرة ويختفي، ولا هدفا مؤقتا يتغير بتغير الزمان والمكان…

إن ما أصفه هنا قد يبدو للكثيرين مليئا بالخيال والمثالية، لكن لك أن تسأل شخصا عانى كثيرا ليصبح ما تمناه يوما، شخصا انتظر طويلا ليؤلف كتابا وينشره أو فنانا انتظر عمرا ليستطيع افتتاح معرض بإسمه، لك أن تسأل موظفا نجح في مشروع حياته أو فتاة تخطت الحدود ونقشت اسمها بحروف العلم والمعرفة، لك أن تتحسس قلبك وأنت تنظر لانجاز أحدهم، لك أن تلمح ذلك الإلهام في أعين مجموعة تستمع لقصة نجاح ابتدأت بحلم، لك أن تتلمس حلاوة الدموع التي قد تنهمر من عين طفل وهو يعانق شيئا أخبره والداه أنه مستحيل.

إن ما يمكن للأحلام أن تصنعه قد لا تستطيع الكتب والمؤلفات إجماله ولا تقدر كل الكلمات-على بلاغتها- على وصفه. ولك أن تسأل معلمة من قلب المغرب المنسي حلمت يوما أن تزرع شيئا في نفوس الصغار، تشاركته مع أصدقائها، آمنوا به أكثر من إيمانها الشخصي به، تعاونوا على زرع الحياة فيه حتى رأوه حقيقة تبتسم.

1xbet casino siteleri bahis siteleri