كورونا…ماذا فعلت بنا؟

استيقظت الأم كعادتها باكرا من أجل تحضير طبق الكسكس الأسبوعي الذي يجمع كل أفراد العائلة حوله. انتهت الأم من تنظيف المنزل وتعقيمه، أشعلت المبخرة المملوءة بأوراق الصفصاف المجفف من أجل تعقيم الجو أيضا، فوصفات التعقيم كثيرة والخالة السعدية لا تقصر أبدا في مشاركتها عبر تطبيق الواتساب. سمعت الأم صوت المؤذن ينادي للصلاة فخارت قواها بعدما ردد الجملة التي بدأت تصاحب الأذان منذ بداية العزل: صلوا في بيوتكم. صحيح أنها لم تواظب يوما على الصلاة في المسجد لكن الأمر محزن جدا، فكم كان جميلا رؤية زوجها رفقة أبنائها عائدين من المسجد وهم يلبسون الزي المغربي التقليدي وتفوح منهم رائحة المسك ممزوجة بخشوع ما بعد الصلاة.

وهي تستحضر كل هذه اللحظات تذكرت أن مائدة اليوم وطبق الكسكس لن يجتمع حوله سوى شخصان اثنان، فثالثهما الذي لا يتجاوز الخامسة عشر ربيعا يفضل البطاطس المقلية والوجبات السريعة. تذكرت أن ابنها البكر مع عائلته الصغيرة لا يخرج من بيته سوى للذهاب إلى مكان عمله وابنتها الوسطى مع زوجها، وقد التزمت المنزل وكتبها، وبسبب التباعد الذي فرضه الفيروس لن يستطيعوا التنقل والقيام بزيارتهم الأسبوعية. طبق الكسكس اليوم لن يكون طعمه كما ألفته الأم وأسرتها، فوحده مذاق الوحدة والعزلة يطغى عليه…طعم الكسكس اليوم مختلف كطعم الحياة التي فرضها الحجر.

كورونا، ماذا فعلت بنا؟

هذه الجمعة الأولى بعد فرض الحجر الصحي والعزل الاجتماعي. الجمعة الأولى بدون صلاة جماعية في المسجد، بدون مصافحة، بدون عناق، القريب بعيد والبعيد بعده ثقيل.

الجمعة الأولى التي لا يهتم فيها أحد بنهاية الأسبوع. الجمعة الأولى وستوريات الأنستغرام خاوية إلا من صور الدعاء والحث على ملازمة المنزل، الجمعة الأولى التي يهتم فيها الجار بالجار والقريب بالبعيد.

كورونا، ماذا فعلت بنا؟

مقالات مرتبطة

فجأة، شلل كبير يصيب مجتمعنا بسبب فيروس صغير لا تراه أعيننا حتى. فجأة أصبحت الأشياء التي كنا نتهافت عليها غير مهمة أبدا. فجأة اشتاق التلميذ المشاكس لجدران مدرسته، واشتاق الأستاذ لضجيج تلامذته. فجأة اشتقنا لعملنا ولجامعاتنا، فجأة أصبحت الحياة الروتينية البائسة كما كان البعض يسميها أقصى طموح نصبو إليه،

فجأة أحسسنا بقيمة الأشياء التي نملكها، وبقيمة الأشخاص أيضا، فجأة أدركنا قيمة الجلسات العائلية والخرجات مع الأصدقاء وكم كنا نتهرب أحيانا من هذه التجمعات بسبب انشغالاتنا التي لا تنتهي. فجأة النظافة والصحة أصبحتا ركيزتين أساسيتن في حياة كل الأفراد. وفجأة أيضا أدركنا أهمية بعض الأشياء التي لم نكن نعيرها اهتماما كبيرا ونقصر فيها غالبا.

ولعل أهم ما قد ندركه بعد مرور الأزمة بإذن الله هو أننا عائلة واحدة والوطن منزلنا الذي تظافرت جهود الأفراد والجماعات من أجل حمايته. ستنتهي هذه المحنة وسنتذكر أننا نحن المغاربة كالجسد الواحد وأنه مع كل الصعوبات التي قد نمر بها وكل المشاكل التي تواجهنا، حبنا لهذا الوطن كبير.

فخورة بكل الأفراد والمؤسسات…تباعدنا الاجتماعي المفروض زادنا قوة، فتخيل معي إن اتحدنا هكذا في الأوضاع العادية. نرفع أيدينا للسماء ونتضرع لله أن يخفف عنا ويبعد هذا البلاء.

كورونا، ارحلي واتركينا ننعم بتفاصيل حياتنا الصغيرة التي طالما تجاهلناها.

1xbet casino siteleri bahis siteleri