معاني النفس البشرية

لا شك أن عالم النفوس، هو عالم الخبايا الذي يصعب على المرء أن يفسر أسراره ومكنوناته، هو العالم الذي يجعل كلا منا يقف برهة لفهم جميع التناقضات والتغيرات التي تطرأ في حياتنا فجأة، ذلك العالم الذي يجعل الإنسان كائنا وجوديا معقدا، تارة تجده سريع التقلب والتأثر وتارة أخرى تجده ينعم بالطمأنينة والسكينة.

إن مجموع السلوك والأحاسيس التي تراودنا ما هي إلا انعكاس لما في النفس، ومحور النفس هو القلب، تحوم حوله الأحلام والرغبات بين الحقيقة والسراب، وبين الواقع والخيال. إن عوالمنا الداخلية صعبة المراس، يصعب على الإنسان الإحاطة بخلفياتها ودواعيها بصورة واضحة وكاملة.

قد يتساءل البعض عن موضع العقل في النفس البشرية، ويمكننا أن نقول على أن العقل يعمل بشراكة دائمة مع القلب؛ فكيف ذلك؟

إن العقل ينقسم إلى قسمين: العقل الذي يعمل على غير وعي منا، وبه نسافر لنحلم ونحن نائمون، وبه تخطر ببالنا الخواطر أثناء اليقظة الغافية حتى لا نكون منتبهين، أي حيث يكون العقل الواعي غير يقظ تمام اليقظة، لذلك لا يمكن أن ننفي العقل وكأنه يعمل مستقلا عن القلب، بل هو المصدر الأول الذي يقرر ميولنا وأحلامنا، بل هو الذي يكون تصوراتنا ومبادئنا من خلال الأحاسيس التي تمر من قلوبنا، ولهذا كثير من الناس يصعب عليهم خلق التوازن بين ما تروادهم الأحاسيس القلبية، المبادئ العقل الواعي.

مقالات مرتبطة

لنا نية مخبأة تبقى مستورة ما دمنا تحت اليقظة وما دام العقل الواعي مسيطرا ومتحكما في دواخلنا، أحيانا نلجأ إلى الخواطر السائبة الحرة التي لا قيد لها، تزيل حالة الوعي لنخفف عنا الإرهاق الذي يجلبه الوعي، فالعقل الواعي يظل مقيدا بالشروط والأحكام، والعقل غير الواعي هو عقل الملذات والنزوات يجري بأساليبه لفهم السيادة والتملك، أما العقل الواعي فهو عقل المنطق واليقظة، يعمل جاهدا في التفكر والتدبر الذي يتحكم في ميولاتنا ورغباتنا، فالأفكار المسجونة في زنزانة العقل الواعي يفرج عنها العقل غير الواعي بالخواطر والأحلام، الجائع الذي خبأ عاطفة الجوع قد تخطر بباله على شكل الطعام وقد يجد نفسه ملتهما طبق شهيا في غفوته أو في حلمه؛ لأن التفكير في الشيء يحدث عاطفة في القلب ثم رغبة في العقل غير الواعي، فكل عوالمنا تؤثر في أجسامنا، على سبيل المثال نجد أن الإنسان قد يمكن له أن يصطنع البكاء والحزن، قد ينتهي ذلك بالبكاء الحقيقي الذي نشعر فيه بالحزن والألم، وكذلك إذا ابتسمنا وضحكنا ينتهي بنا الأمر إلى الشعور بالسعادة، فكل فكرة تمر بذهننا لا بد أن تحدث عاطفة وحسا، ثم رغبة وإرادة، ولا يمكننا أن ننفي أو نشك في ذلك.

إن الغرض الأسمى من النفس البشرية هو سموها وارتقاؤها من حسن إلى أحسن، فطبع الإنسان كائن طموح يسعى إلى العلا والرقي في أحلامه وطموحاتها، لأن الرقي هو صميم طبائعنا وهو الطريق المؤدي إلى السعادة، لأن السعادة موطنها القلب، تنبع من ضمير دائب السعي نحو التسامي عن كل انحطاط أو ضعف.

إن صعوبة فهم أسرار النفس تتجلى في إرادة ربانية وحكمة إلهية، تجعل من الإنسان مرآة لما يشعر به ولما يحدث له في حياته اليومية، مما يدفعه ذلك إلى البحث عن الحقيقة، عن الإيمان القوي، عن التوازن بين عقله الواعي وغير الواعي، وعن التسامي على كل ما يخالجه من رغبات ونزوات عابرة يقننها بأخلاق ربانية وقيم رفيعة.

إن سر النفس البشرية يكمن في تحرير الإنسان من قيود رغباته لكي تقوده نحو الإصلاح والصلاح، لكي لا يجعل من نفسه عبدا مملوكا لشهواته اللامنتهية، وبقدر التشبث بمبدأ التسامي المتبع للمنهاج الرباني بقدر قدرته على العيش في حياة يسودها الرضا وراحة البال، والقدرة على الرحمة والعطاء، فالفرق الوحيد الذي يفصل بين المرء وأخيه هو العطاء والسمو المستمرين.

1xbet casino siteleri bahis siteleri