من معاني الولادة

لطالما أبهرنا منظر الولادة وخطواتها، لحظة الخروج إلى هذه الحياة، أول صرخة معلنة دخول الهواء مباركا على كل الأحشاء..
لطالما فرحنا بذلك القدوم السعيد لمخلوق صغير يضفي على حياتنا بهجة من نوع آخر.. لكننا ننسى تأمل ما وراء الخفاء، ويجهل أغلبنا تحديات الأمر!

في دراسة لطريقة الولاد العادية، تبهرنا حقا آيات الله في طريقتها وتفاجئنا رحماته المنزلة كالغيث على الجنين قبل خروجه: يتجاوز الصغير ثلاث تضيقات عظمية عجيبة بالمقارنة مع حجمه، يدور ويلتوي بزوايا أشد ما تكون من الدقة، يتقدم ويتأخر في مواقيت معدودة محسوبة، بموازين مضبوطة، وأي خلل بسيط في الأمر يحول دون تيسير الخروج.

عجب عجاب.. ونحن نتأمل بعد مقارنة الأحجام والمسافات المتواجدة في حوض الأم، كيف يحدث كل هذا بهذه السرعة، وكيف يستطيع الجنين التغلب على كل هذه التحديات؟ كيف عرف أن في انتظاره ثلاثة حواجز بزوايا مختلفة، فأعد نفسه لها مسبقا بوضعية معينة يرحم فيها أمه ويهون على نفسه عبء المغامرة؟ كيف وكيف وكيف؟

هي رحمة إلهية، يسيل قطرها علينا قبل أن نجيء إلى هذا العالم، هو درس في التدبير الإلهي المحكم لأمورنا حتى في قدومنا لموضع الامتحان، هي آية لكل متدبر تعلمه أنه لولا الرحمة والتيسير من عند الله، لولا أن رمينا الجمل بما حمل عليه واتبعنا الخطوات، لولا يقيننا أن كل شيء مهيأ لنا بأمره، وأن هوان التحديات هو بفضله ومنته، وأنه يستحيل كل شيء من هذا بدون قوله له كن فيكون، لما سعدت أم بولدها، ولا أشرقت شمس على بكاء يختلط ببسمات وضحكات.

مقالات مرتبطة

هو درس لي ولك، إن رحمة الله لا حدود لها، تفرش لنا الورد وتغطينا بالنسائم، هي السر في التيسير إذن وجوهر الصبر على مصاعب الحياة، هي رسالة توحي لنا أن حياتنا هذه لم تخل ولن تخلو من تحديات وعقبات علينا التوكل على الله فيها توكل الموقنين العارفين بالله، علينا تربية قلوبنا على اليقين فيه و التمسك بحبل الأمل به لتخطيها والنجاح في الوصول إلى الهدف منها، هي صوت ملائكي يهمس في أذننا قائلا: “جئت إلى هنا بعد ألم كبير وتخطيت عقبات لن يستطيع القوي من جنسك تجاوزها.. فهل تحسب أن الطريق انتهى وقد وصلت إلى بر الأمان؟ إن النهاية في قطع الحبل عندك هي بداية المغامرة، وإن مجيئك إلى العالم الآخر هي بداية الامتحان حقا، فاعلم أنه بخروجك من الحوض الصغير دخلت إلى بحر كبير في كون عظيم، بإعلانك الصرخة الأولى قد بدأ عداد قلبك يحسب عمرك الفاني، بلمسك لأولى الأيادي واحتضانك في أجمل المدافئ ستقابل أناسا مختلفين وتلجأ إلى آخرين أكثر اختلافا، بتركك للنعيم عليك أن تجعل مكانك الجديد نعيما، باقتطاع الغيث من حبلك عليك أن تبحث عن سيول جارية، اطمئن لرزقك فإنه قدر إلهي وأيقن أنه من شملك بعطفه هناك سيشملك بالجود والكرم هنا، ومن آمنك في ظلماتك، سيرعاك في الكهوف الغابرة.. وجاهد واجتهد حتى تغادر ضاحكا وقد أتيت باكيا”.

إن ما يجري داخل الرحم هو التمهيد والمقدمة لما سيجري خارجه، وخلاصة أحداثه تطوي تفاصيل عمر الإنسان، نفس الموازين ونفس السنن تجري مقاديرها إلى نعود من حيث أتينا، علينا فقط التزام الصبر واليقين وتتبع المنهاج الرباني فيما سيأتي لكي ننال الموعود.

إن عظمة وجمال المخلوق هي مرآة لعظمة وجمال الخالق، وإن آيات الله في كونه لا تنتهي ولا حدود لها، حجم هذا الكون عظمت وازدادت، فبهداية من الله نتبصر قبسا ينير لنا سر الوجود وكلما بحثنا عن شيء منها وضح لنا أننا نجهل الكثير الكثير، وإن حسبنا يوما أننا شيء هين، علينا أن نلقي نظرة بسيطة على من كرمه الله من خلقه ونتدبر معاني الحي القيوم فيه، فقد صدق الشاعر حينما قال: “وتحسب أنك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر”.

الولادة هي درس كبير لمن اعتبر منه، تلخص دروس الحياة كلها وتحوي من معانيها ما لم يسع أولي الأبصار إنهاءه، وما اقتبسنا منها إلا ما ألهمنا الله من دروس الرحمة ومعاني اللطف في الأقدار.

1xbet casino siteleri bahis siteleri