هل أنت حر؟

رغم قدمها تاريخيا فهي لم تشخ، وإنما اتخذت شكلا جديدا وعادت إلينا في أبهى حلة. هذه الممارسة البشعة القائمة على الامتلاك والتملك بين البشر، ارتكزت على كون الرقيق مملوكا لسيده طائعا لأمره واضعا مقوماته الجسدية والعضلية رهن إشارة المالك دون تردد أو نقاش. وكما لا يخفى على الجميع فإن زمن العبودية والرق قد ولى، والملاحظ شبه إجماع على أننا في عصر الحريات واحترام الرأي والاختلاف.

الأمر صحيح نسبيا، لكن الأصح أن العبودية لا تزال قائمة وربما بشكل أعمق وأكثر تعقيدا. أما غيابها عن الأضواء فراجع بدرجة أولى إلى اتخاذها لمسميات جديدة اعتدنا سماعها، فغلب التطبع الطبع فقبلناها وقبلنا بها.

العبودية نوع من الأشغال الشاقة القسرية يمارسها العبيد طوال الحياة مقابل توفير الأمن والغداء. وهذا مشابه تماما لما يعيشه الموظف سواء في الوظيفة العامة أو الخاصة، فهو يعمل لساعات طوال مقابل مبلغ مالي يضمن به قوته اليومي، ويوفر به أمنه المادي. ولا يمكنه أخد إجازة عمل إلا بموافقة المدير أو رب العمل.


مقالات مرتبطة

لا أظن أن الكثير منا سبق وسمع بعبودية الفكر، فما هي عبودية الفكر إذن؟ عبودية الفكر هي أن يزداد الإنسان حرا، فتسلب منه حريته فور ولادته، وأخص بالذكر حرية الرأي والمعتقد. فالمولود الجديد في مجتمعاتنا يجد أمامه مجموعة من القرارات والقناعات الصارمة التي تحتم عليه ركوب قطار معين والوقوف الإجباري في عدة محطات؛ قد لا تنسجم مع مؤهلاته ورغباته.

فيتم بشكل من الأشكال وضع هذا الطفل الصغير في قالب أقل ما يقال عنه أنه محطم لطموحه اللامحدود، فمن الحضانة إلى المدرسة ثم الجامعة ثم عمل يكرس منطق الخضوع والعبودية فزواج ثم موت بطيء. كل هذه المحطات المتتابعة تخلق لدى الإنسان جوا من القلق والتوتر، يجعل جل تركيزه منصبا نحو المستقبل مما يفوت عليه فرصة الاستمتاع بالحاضر. فالأسرة كما المجتمع والمدرسة ووسائل الإعلام مسؤولون عن حشو هذه الأفكار الجاهزة للهضم والاستهلاك، والتي تختزل قدرات الفرد وتجعل طموحه رهينا بما سيقوله الآخر. هذا الآخر الذي يلاحقني، يقيدني ولا تكمن قيمتي إلا بوجوده ورضاه عني؛ والذي هو سبب غير مباشر في كوني هذا الشخص الذي أبدو عليه وجعلي أخوض معارك لا تعنيني.


لكن السبب الأساس هو أنا وأنت. نعم عزيزي القارئ، أنت هو السبب الحقيقي. فأنت من قبل الخضوع لسلطة الرأي التي يمارسها الآخر وأخدها على محمل الجد، علما أن كلمة لا كانت كافية لتحقيق مناعة تحميك من جحيم هذه الحلقة المغلقة التي تقتلك وتصنع منك إنسانا فاشلا تحت مسمى التبعية الفكرية.

نهاية، أتمنى صادق التمني أن لا تشعرك سطوري بالقلق، فهذا السيناريو الكلاسيكي مرت منه معظم البشرية للأسف. والغاية تحرير العقل وتحقيق توازن داخلي كفيل بجعل الفرد يعيش حياة سليمة ويكتشف ذاته بعيدا عن سلطة الآخر. فكما جاء في المقولة الرائعة: “رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك، فاترك ما لا يدرك، وأدرك ما لا يترك.”

1xbet casino siteleri bahis siteleri