من أنا !؟

قمت يوما مثاقلة من فراشي ألفظ عني نوما استغلفني فقادني ساعات طويلة جدا عبر سككه المظلمة إلى أحلام متشابكة،

كنت فيها ملكة، وصرت بعد ذلك جارية، لبست الحرير ونمت فوق ريش النعام، ثم ارتميت على قارعة الطريق أسأل المارة قطعة رغيف تسد جوعتي، هو ذاك عالم الأحلام.. لا أمان فيه، تصبح سيدا وتمسي خماسا في فدادين

Fernand-Toussaint-xx-Weerspiegelingen-Mirror-xx-Private-collection فلاح متسلط. نهضت أتثاءب وأبحث عن هاتفي لأرى آخر الرسائل وأجدد الأحداث، لم أجد شيئا مهما.. عدا أخبار رذيئة كتلكم التي تصف جريمة قتل
بحذافيرها، وكأن القتيل سيرتاح في مرقده إن علم الناس فعلا كيف تم تشريحه وتقطيع أمعائه. وقفت لأحس بدوخة تفاجئني كل صباح، أشعر خلالها بغرفتي ترقص على أنغام الراي، ثم جلست حتى لا أسقط من فرط رقص الغرفة. غادرتني الدوخة اللعينة.

 

 

 

ركعتا الصبح، أدعية قليلة بالنجاح والسداد، وسؤال كل يوم : ماذا سأرتدي اليوم !؟

فتحت خزانتي المكتظة، لكني لم ألمح شيئا يوافق مزاجي لليوم، أشعر بحزن خفي يعاركه شعور باللامبالاة، مزاجي يبحث عن شيء رمادي ذابل، شيء باهث لا ألوان فيه، لم أجد.. سأرتدي الأسود إذن. أدرت وجهي إلى المرآة لأتفحص هذه الملامح التي ترافقني منذ سنوات طويلة .. فصعقت!
تفحصت المرآة ربما بها خلل، لكنها كانت عادية كما هي دائما، جسمي واضح كما أعرفه، لكن وجهي .. وجهي لا ملامح فيه. اختفت عيناي وأنفي وشفتاي.. وجهي صفحة بيضاء، خال من كل تعبير، من كل شيء.. ركضت نحو الحمام غسلت وجهي مرة .. وعشرا، تأملته في مرآة الحمام، أيضا لا شيء.. ماهذا يا إلهي، هل مسخت، هل حلت بي لعنة كتلك التي تصيب بطلات الحكايات، لكني لا أؤمن بهذه التخاريف .. هرعت إلى هاتفي لأطلب النجدة من أحدهم، لا أحد يرد.
صرخت، وبكيت.. ونمت واستيقظت .. وعدت للمرآة، لا شيء.
جلست أتأمل حالي هذا، كيف سأخرج، وبم سأجيب الناس، وكيف سينظرون إلي، ثم ثنيت أرجلي وتكومت فوق الأرض كطالب علم يتأهب لاستظهار سورة من السور، ويممت وجهي شطر المرآة.
مسلوبة الإدراك، ومشلولة الحس، وخائفة.. تلمست هذا الوجه الخالي، كنت أحس بكل شيء في مكانه، عيناي اللتان طالما رسمت كحلهما باتقان، وأنفي الذي كان دائما سبب عراكي مع أختي وهي تسخر منه، شفتاي اللتان ابتعت لهما من الحمرة ما استنزف ميزانيتي، لكني لا أرى شيئا على وجه المرآة السخيفة، هممت بتكسيرها لولا أني تذكرت تقاعسي عن  توضيب الفوضى التي سيسببها هذا الفعل الأرعن، فعدلت عن ذلك !
مقالات مرتبطة
Composition in red -Kim Roberti
وأنا في حيرتي وقلقي ذاك، انتظر اتصال من تركت لهم رسائل، أو قدوم أحد أهلي ليساعدني في مصيبتي، تبادرت إلي فكرة .. بما أنني بلا ملامح، فلم لا أرسم ملامح جديدة، تكون هي ملامحي الدائمة، فأختار بذلك “أنا” التي أعيشها إلى مالا نهاية. جلبت علبة مكياجي وهممت أزركش، توقفت قبل البدء، ماذا سأرسم، فتاة حزينة تنتظر أن ينجلي حزنها مع الأيام، أم شابة لا تعترف بشيء سوى المتعة ولا تحفل بأحد سوى نفسها، إمرأة جادة لا وقت لها للضحك، أم أنثى تنتظر قدوم حبيب على طبق من ألماس، ماذا يا إلهي .. هل أرسم طالبة تحت عينيها ظلام مجرة، أم طبيبة تبكي لتعبها أثناء المداومة، هل أرسمني وأنا قابعة تحت غطائي أبكي دون أن يعلم بذلك أحد، أم أرسمني أرقص من الفرح والزهو، أم على سجادتي في لحظة خشوع نادرة .. ماذا أنا، ومن أنا.. أنا كل ذلك، وأنا لا شيء من ذلك، أنا الحزينة والسعيدة واللامبالية والجادة والساخرة والباكية والوحيدة والمحاطة بكل الناس والراقصة والخاشعة، أنا هنا بين من أحب، وأنا غذا بعيدة، أنا بالأمس كنت أرسم حياة، وأنا اليوم أعيش غيرها، أنا القريبة من الإله، وأنا الذاهلة عنه  !؟
من أنا !؟ وماذا سأختار،أي واحدة سأفضل،  يجب أن أختار واحدة فقط، لا غير، لكني لا أرغب بفرح دائم ولا بحزن دائم، لا أطيق  لامبالاة  مستمرة ولا جدية لا متناهية، أرغب فيَّ كما أنا، بكآبتي وسعادتي، بظلامي ونوري، بقسوتي وسذاجتي.. بكل شيء!
faces in the flow
ألقيت ريشتي وأقلامي.. واحتضنت وجهي بيدي وشرعت في موجة من البكاء، لا أدري لم أبكي، ولا ماذا سيفعل لي هذا البكاء، لكنه الوسيلة الوحيدة التي تلجأ لها حواء اذا ما ادلهمت مصيبة.. شعرت بيد فوق رأسي  وصاحبها يقرأ المعوذتين، فتحت عيني لأبصر. أنا داخل سريري لم أبارحه قط. كان حلما بشعا، لكنه راق لي.
نحن بكل ما فينا، بهذا العبوس الذي يتحول لبسمة، وبتلك القسوة التي تصبح سعة صدر، بحب يغلبه ملل، وبسحابة ضيق يليها مطر الانشراح.. !
قمت من مرقدي أبتسم بعد حلم أنهكني، كدت أقع .. إنها الدوخة اللعينة مجددا .. اذهبي عني قاتلتك الشياطين !
1xbet casino siteleri bahis siteleri