صرخات الحياة

0 3٬914
نبدأ الحياة بصرخة؛ تلك الصرخة التي كلما صدحنا بها في مسيرة حياتنا إلا وتكون مصحوبة بالألم. ومن هنا نعطي تفسيرا لتلك الصرخة الأولى باعتبارها معبرة عن بدء حياة مملوءة بالألم كذلك، بالحزن والشقاء، بالتعب والصبر…تلك الصرخة التي كلما سمعناها في باقي محطات حياتنا اللاحقة إلا ونتذكر الصرخة الأولى التي قد يندم عليها الكثير منا في حالات الضيق ونتساءل عن سبب وجودنا هنا!
تفكيرنا السلبي دائما يقودنا لرؤية سوداء لا بياض فيها مبنية على صرخة الانطلاق تلك المعلنة عن بداية الحياة، حياة جديدة كلها تحدٍّ للصرخات القادمة، حياة مبنية على الإقبال والمواجهة لا على الهروب والفرار، حياة نبدؤها حقا بصرخة الطبيعة التي كلما ارتفعت كلما أشارت إلى سوية الإنسان وكلما غابت إلا ونتوقع اضطرابا لاحقا.
تفكيرنا في الحياة المبني على الخلاف والاختلاف ثم الصراع يجعلنا مستعدين لخلق المشاكل وافتعالها أحيانا، تفكيرنا الذي يطغى عليه الألم يبعدنا كل البعد عن الأمل، واستبعادنا هذا للصعوبات والعراقيل يجعلنا مخطئين في فهم الحياة فهما صحيحا.
A-Newborns-First-Cry-Images-Out-of-Africa
الصرخة الأولى للمولود
الحياة لا تلزمنا بالفشل فقط أو بالنجاح فقط بل بهما معا، وقدرة كل واحد منا على الاستفادة من النجاح من أجل نجاح آخر بل وتحويل الفشل إلى نجاح، مسألة يمكن للإنسان تعلمها دون أن يكتفي فقط بقراءته في سير الناجحين والمشاهير. تركيزنا على الصرخة الأولى كبداية للنجاح يعد أحسن بألف مرة من الرجوع لها كلما تعرضنا لتجربة مؤلمة أو فاشلة. فرصة الحياة تجعلنا نسعى لاستغلالها بجدية أكبر وتجعنا أكثر قابلية للأخذ والعطاء للذات وللآخرين.
تواجدنا في الحياة يعد الإنجاز الأول لنا هنا، وفهم الصرخة الأولى يعد إعلانا قويا عن الحضور. إنه احتفال بإنجاز الوجود واستعداد لباقي الإنجازات التي لا بد أن نسعى لها، صرخة الأمل لا الألم، وهنا تتغير مفاهيمنا وتتقوى دافعيتنا للتقدم نحو الأمام. لذلك، لا بد لنا أن نغير تفسيرنا للصرخة لنتمكن من العيش بإيجابية في الحياة، هذه الحياة التي تفرض علينا في الغالب تحليلا وفهما بسيطا مبنيا على تفكير مسبق وعلى تخطيط وتسطير للأهداف واستعدادٍ للمعيقات وتوكل على الله. فكلما كان الإنسان بفكره متفائلا منذ الصرخة الأولى وتلقى تربية تؤكد تفاؤله إلا ووصل إلى مبتغاه وكان واثقا وموقنا بكل خطوة يخطوها في حياته حتى ينعكس ذلك على تقديره لذاته ومناعته النفسية؛ بحيث تجعله يحتفل بالانتصار في كل مرحلة من مراحل حياته.
N.Mandela in his cell on Robben Island (revisit} 1994
نيلسون مانديلا يزور في 1994 السجن الذي دخله في 1982
أما تكرار الصرخات في الحياة فلا يمكن أن نعده انهزاما أو تقهقرا بقدر ما هو تعبير عن انفعال كان لا بد أن يخرج إلى الوجود، وفي الانفعالات ما هو إيجابي أيضا. فهمنا إذا لهذه الصرخات ومواجهتها والتكيف معها يعطينا شعورا بفهم أوسع للذات وإقبالا أكبر على الحياة. فمفهوم الصرخة عند علماء النفس بعيد عن الفهم العادي المبني على التعبير عن الألم، بل يذهبون في تفسيرهم لها إلى التعبير عن الأمل والنجاح والانتصار. فهل حقا نستطيع فهمها على هذا النحو الذي يدفعنا نحو منطق التدافع في الحياة؟
ماذا لو رجع كل واحد منا لصرخته الأولى وغير فلسفتها من السلب للإيجاب؟! ماذا لو حاولنا التفاؤل بدل التشاؤم؟! نستطيع كل هذا إن توفرت الإرادة، إرادة البقاء بطعم الإنجاز لا العبور بالفهم الخاطئ “لعابر السبيل” الذي يطغى على أمتنا والذي نحتاج لنقيضه. الحياة تبدأ بصرخة “أنا” وتنتهي بصرخة “هم” معلنة ذهابي “أنا” لكن بين “أنا” و “هم” صرخات وصرخات في هذه الحياة، فلو غيرنا مفهوم صرختنا الأولى لتغيرت كل الحياة.
1xbet casino siteleri bahis siteleri