بائع المناديل

‫كم مرة حدث وأن قابلت طفلا صغيرا يبيع المناديل ويتجول في الطرقات وممرات السيارات، ثم ماذا كان رد فعلك وهو يمد إليك بيده الصغيرة علبة مناديل، ربما أغلقت نافذة سيارتك أو أسرعت إذا كنت راجلا أو ربما رق قلبك يوما ما واعتبرتها صدقة، أو ربما بكـل أدب أجبته لا شكرا لا أحتاج! بدون حتى النظر في وجه ذلك البائع المجهول.

بالنسبة لي، كلما كنت أصادف طفلا من هـؤلاء ويعرض علي سلعته كانت أول ردة فعل مني أن أشير بيدي و أقول له: لا أريد شكرا ! حتى إنني لا أنظر إليه، فالبنسبة لي هو مجرد حدث يتكرر وفي كل مرة تكون تلك إجابتي، هذا المساء ترددت قليلا، قلت في نفسي لما لا آخذ علبة فهو على الأقل يبيع ولا يتسول فناديته فاذا بي أرى طفلا جميلا جذاب العينين، طلبنا منه علبتين أنا و صديقتي فإذا به يقول ٱنتظرا سأعطيكما علبتين جديدتين أما هاتان التي أحملهما فأصبحتا قديمتين شيئا ما فأنا أحملهما منذ الصباح، استغربت كثيرا لهذا الموقف النبيل وهذا الكرم الذي يعجز عنه الكبار، و أصحاب الأموال، فقد فضّل هذا الطفل أن يعطينا أفضل ما عنده بدل أن يتخلص من العلب القديمة.

 

كان هذا موقفا إنسانيا عظيما من هذا الإنسان الصغير فهو لا يزال قادرا على تقديم أشياء جميلة لهذا العالم الذي لا يقدم له سوى التجاهل والقسوة والتحجر، بعد ذلك ذهب ليعرض سلعته في مقهى مجاور مكتظ بالزبائن و تابعنا حركته من بعيد، يمر عبر الطاولات، ولا أحد يشعر بوجوده. لاحظنا أنه لم يتبقى له سوى أربع علب فٱتجهنا نحوه وسألناه إذا ما كان يرغب في بيعها لينصرف فأجاب بابتسامته البريئة أن نعـم، فٱشترينا منه تلك العلب و همّ بالانصراف.

مقالات مرتبطة

614_001

‫كل من قرأ قصة بائعة الكبريت ثأثر وأشفق عليها، و ربما لام أولئك المارة الذين لم يشتروا سلعة الفتاة، و التي ما كانت لتكلفهم سوى بضعة قروش تخلصها من الإنتظار، هذه القصة العالمية تعاد للأسف كل يوم وفي كل يوم ننهر أولئك الأطفال ونعاملهم في بعض الأحيان كالمتسولين، بدون أن نأخذ دقيقة لنحس أنهم بشر مثلنا تماما.

طبعا لن أكرر تلك النداءات الخشبية التي ألفناها عن حقوق الإنسان وعن الجمعيات والقوانين، ولكن فقط اسمحوا لي أن أتحدث بلسان ذلك الطفل الصغير وأقول لكم: “من فضلكم اشتروا مناديلي !”

1xbet casino siteleri bahis siteleri