لا تتزوج.. إنّه فخ!

أنت الآن على مشارِفِ الخامسةِ والعشرين، ما بينَ ماضٍ كُنت تُعِد فيه العدة لقادمٍ أفضل، ومستقبلٍ ترجو الوصولَ فيه لغايتك وحُلمك المنتظَر.

راودتكَ كثيراً فكرة الزواج، تخشى أن يمضي بك العُمرُ فلا تنتبه، ترى حاجتك لتلك الخطوة كثيراً، فأنت لا زلت شاباً عليه أن يتمتع بهذه الفترةِ من حياته قدر المستطاع!

حسناً يا صديقي، أنا هُنا كي أقولَ لك لا تفعل، إنه فخ!

لماذا نتزوج؟

كلما طُرِح هذا السؤالُ كانت الإجاباتُ -معظمها- تدورُ في فلكٍ واحد، منهم مَن يُخبِرُك أنها سنةُ الحياةِ، ومنهم من يخبرك أنك هكذا ستُكمِلُ نِصَف دينك، ومنهم من يطلب منك أن تفعل كي تُشبِع رغباتك وشهواتك فهذا هو السبيلُ الذي أُحِل لنا لإشباعِها، وآخرون يخبرونك أنك تفعلُ لتترك من بعدك ذُريةً تُخلِدُ ذكرك.

لكن قليلين هم من يُخبرونك أنك تتزوجُ؛ لأنك بحاجةٍ إلى من يُشاركك حياتك، من يُشاركك حلمك وهدفك، من يكون لك عُكازاً في رحلتك، من يكونُ لك كما كان هارون لموسى.

الزواج.. كيف صارَ فكرةً قاتلة؟

انظُر حولك، انظر كيف تحول الزواجُ مِن فكرةٍ تضبِطُ معنى الحياةِ إلى عملٍ ليس لهُ معنى، انظر له كيف تحولَ لشيء منزوع القيمة، فصارَ الزواجُ شيئاً لا يُعوَلُ عليه، تدافع الناسُ إليه كما تدافعَ المُسلمون يومَ أحدٍ لجمع الغنائم، لكنهم لم يفعلوا.

عليكَ أن تتزوجَ، لا يَهم ستتزوجُ مَن ولِم، لا يَهم إن كُنت على استعدادٍ كامل لهذه الخُطوة أم لا، وبطبيعة الحالِ لا نقصدُ هُنا الاستعدادَ المادي، فهذا أمرٌ مفروغ منه، بل نقصد الاستعداد النفسي، استعدادك لخوضِ تجربةٍ عليك أن تشارِك فيها نفسك مع شخصٍ آخر، ستشارك المكانَ الذي تحيا فيه، ستشارِكُ أحلامَك ومخاوفك، ستشاركُ عيوبَك وما يميزك، ستشاركُ كُلَ شئ..

فإن كُنت من هؤلاء الذين يتزوجون لغرضِ الزواجِ لا أكثر، فستجد أنَّ الأمرَ موحِشٌ جداً، ستشعر وكأنما قد دخلت سجناً لا مَفر منه، ستودعُ كثيراً من أحلامك وآمالك على عتباتِ تلك الخطوة، ستنقلبُ حياتك يا صديقي رأساً على عقب، خاصةً إذا وجدت أن اختيارك لم يكن ذاك الذي كُنت تحلمُ به، حينها ستودع يا صديقي أيامَ العيشِ الهادئ.

اختيارٌ سيئ وعاقبةٌ وخيمة

ابحث عن معدلات الطلاقِ في السنين الأخيرة، ابحث كيف تتزايدُ وتيرةُ الأمرِ حتى أصبح مُخيفاً جداً، تعتقدُ لوهلةٍ أن الناسَ إنما يتزوجون كي تُفتَعَل المشاكل والاضطرابات ومن ثمَّ ينتهي بهم الأمرُ إلى الطلاقِ بعد كثيرِ نزاع.

كَم من زواجٍ انفرط عقده بعد أن صارَ له ثمرةٌ تتمثلُ في طفلٍ لم يُحسن أبواهُ الاختيارَ عند الزواجِ فكانَ لزاماً عليه أن يعيشَ حياتهُ مع أحدهما دون الآخر.

كم طفلٍ قُدِّر له أن تكون حياته بائسةً سيئةً؛ لأنه لم يجد من العنايةِ والرعاية في كَنَفِ والديه ما يستحق.

كم خطيئةٍ ولعنةٍ ستطارد أبوين أنجبا طفلاً فعاشَ بعدها حياةً لم يجد فيها من الهدوء ما كان ينبغي له أن يجده، فقط لأن والديه لم يُحسن أحدهما اختيار الآخر!

المُفِجعُ في الأمرِ أن يُخبرك أحدهم أنه قَد عِلم أن لا توافق بينه وبين صاحبته، علم ذلك من بدايات الأمرِ حين كانَ الأمر مجرد خطبة، لكنه لم يُنهِ الأمر اعتقاداً منه أن كل شيء سيكون على ما يُرام فيما بعد.

وتُخبرك إحداهن أنها علمت حقاً أن لا خيوطَ مُشتركة بينها وبين صاحبها، لكنها لم تستطِع إنهاء الأمر فتمنت أن يتغيرَ الحالُ فيما بعد.

ستسمعُ قصصاً كثيرة مثل هذه، وكأنما صرنا كفئرانٍ أعدوها لتدخل تجربة ما، ظاهِر الأمر يبدو أنها ستفشل، لكننا نتمنى أن يتغير أمرٌ في المعادلةِ فتنجح التجربة في النهاية!

أيُ عبثٍ هذا؟! وأيُ طريق ألقى هؤلاءِ فيه أنفسهم؟ لكنهم إن كانوا قد اختاروا الطريقَ فعليهم أن يتحملوا النتائِجَ كاملة.

أنحيا بدونِ زواج؟

لم أكتُب هذه الكلمات لأطلب منكم في نهايتها ألا تتزوجوا مُطلقاً، فبالطبعِ لن يُخبركم بهذا عاقِلٌ يفهمُ معنى الحياة، ويعلمُ حاجةَ البشرِ لرفيقٍ يسير معهم على الدربِ يتكئون عليه إذا همّوا بالسقوط، لن أطلب منكم أن تكونوا رُهباناً تعتزلون الدنيا وما فيها.

أكتبُ هذه الكلماتِ لأخبركم أن الأمر يستحقُ الانتظار، يستحقُ منكم التأني وحُسنِ الاختيار، لا تراهنوا على مُستقبلكم ولا تجعلوا حياتَكم محض تجربة، اختاروا من تستكينُ الروحُ بحضرتهم وتتخذون منهم سنداً لحاضِركم ومُستقبلكم، اختاروا من يُشارككم الحُلم ويأخذُ بأيديكم نحوه، ابحثوا عمن إذا سقطتم أقال عثرتكم، وإذا ما ضاقت عليكم الدنيا وجدتم عنده الأنس، ابحثوا عن ذاكَ الذي تدعون عنده ثيابَ التكلف والتصنع كي تكونوا أنتم كما أنتم، أعلمُ أن الأمورَ قد تسيرُ عكس ما نرى، لكن ما نطلبه هو أن يكون لنا في الاختيارِ معيارٌ نسعى للوصولِ له، لا نسعى للكمالِ لكن نسعى لحياةِ ترضينا ونرضى بها.

وإن وجدتم أولئك الذين ما قدروا الزواجَ حقَّ قدره قد كثروا وزاد عددهم فلا تكونوا منهم، لا تكونوا أرقاماً في سجلاتِ الزواجِ الفاشلة، أعيدوا للأمرِ اتزانه، ولا يدفعنكم تعجلكم لسوءِ التصرف، فالزواجُ شجرةٌ إذا أحسنت غرسهَا ورعايتها وجدتَ عندها أحسنَ الظلِ وأطيب الثِمار.

 

هذا المقال منشور في الهافينغتون بوست عربي للإطلاع على النسخة الأصلية أضغط

1xbet casino siteleri bahis siteleri