مذكرات علماني مصري

على مبادئ الحرية الكاملة وفصل الدين عن الدولة، تربي ونشأ صديقي الثوري، رافضًا لأي نوع من أنواع تقييد الحريات، وغاضبًا لأي محاولة يائسة من الإسلاميين الرجعيين -في نظره – لإقحام الدين في الحياة السياسة العربية، كل ما يسعى إليه هو إنقاذ البلاد من الفاشية الدينية العسكرية، وتحويلها لدولة علمانية متقدمة مثل أوروبا وأمريكا.

يتحاور مع جميع التيارات والفصائل عدا تيار الإسلام السياسي، فهو لا يراهم سوى مجموعة من المعاتيه وتجار دين يضحكون على عقول الناس بمسمى الدين والشريعة، مما جعل بينه وبين الإسلاميين صراعًا أزليًا، ولربما كان صراعًا وجوديًّا معهم.

دائما ما يتغنى بعبقريته الفذة في التعامل مع الواقع السياسي العربي، ونظرته الثاقبة نحو الديمقراطية والحرية، وكأنه سلطان الحياة السياسية والديمقراطية في عالمنا العربي.




مهاراته وإبداعاته لا تتوقف أبدًا في إخراج آلاف الحجج والتبريرات عن فشله في الانتخابات والإدارة السياسية، فتارة يحدثنا عن تزوير من قبل تيار الإسلام السياسي الذي لا يترك مناسبة نيابية إلا وتغلب عليه بفارق شاسع، وتارة أخرى يحدثنا عن جهل الشعوب العربية بالعلمانية والديمقراطية مما يدفعهم لاختيار الإسلام السياسي حلاً بديلاً، كل ما يريده هو انكار نجاح الإسلام السياسي في أي جولة انتخابية أو تحرك سياسي.

بارع إلى أقصى درجة في تزييف الحقائق والسخرية من كوادر تيار الإسلام السياسي دون غيره من التيارات، مستغلاً في أغلبها مجموعة من الأكاذيب والإشاعات، فلا يوجد لديه أدنى مشكلة في دعم الانقلابات العسكرية والموافقة على حل البرلمان المصري المنتخب ديمقراطيًا لمجرد أن أغلبيته من جماعة الإخوان المسلمين، حاله حال الدستور المصري الذي تم الاستفتاء عليه بنعم، بالرغم من اعتراف أحد قادتهم وحيد عبد المجيد أنه من أفضل الدساتير التي وضعت في تاريخ مصر!

فبعد فوز الإخوان المسلمين بالأغلبية في مجلس الشعب، وبالتالي أحقيتهم في تشكيل الحكومة، ومنها تنفيذ مشروعهم، حالهم حال أي حزب حاكم في العالم، نجد صديقنا يخرج متهمًا الإسلاميين بأخونة الدولة! رغم أن عدد الذين يحسبون على تيار الاسلام السياسي في الحكومة حينها لم يتخط 10 وزراء من أصل 40 وزارة و8 محافظين من أصل 28 محافظة!

ولكن كيف يترك صديقنا الإسلاميين يحكمون لأربع سنوات عادلة بمجلس شعب ودستور ورئيس؟! 

 

بارع في الكذب وتزييف الحقائق؛ فيجعل القاتل بريئًا والبريء قاتلاً، فتجده على جميع القنوات العالمية يحمل تيار الإسلام السياسي بزعامة الإخوان المسلمين مسئولية قتل 11 شخصًا في أحداث الاتحادية في عهد مرسي، وبعد ذلك نكتشف أن أغلب من توفوا في هذا اليوم من شباب الإسلاميين وهم 9 من شباب جماعة الإخوان!

ينبذ العنف إلى أقصى درجة، ودائمًا ما يتهم الإسلاميين بممارسة العنف والبلطجة السياسية، ولكن في الوقت نفسه يظل صامتًا عند حرق لأكثر من 23 مقرًا لجماعة الإخوان وحزبها السياسي على مستوى الجمهورية من قبل البلاك بلوك! يذهب ليتظاهر أمام المقر الرئيسي لجماعة الإخوان في منطقة المقطم ويحاول حرقه من الخارج، فيخرج شباب الإسلاميين للدفاع عن مقرهم وينتهي اليوم بحرق شاب من شباب الإخوان ومقتل ثلاثة آخرين! وفي نهاية اليوم يخرج صديقنا ليحمل الإسلاميين مسئولية ما حدث!

يتهم مرسي والإسلاميين بالديكتاتورية والتفرد بالسلطة، ولكنه يرفض جميع جلسات الحوار مع مرسي، وبالفعل رفض جميع دعواته التي وجهها لهم! كما أنه يرفض منصب نائب الرئيس ورئيس الوزراء في عهد مرسي!

في عهد مرسي يدافع دفاعًا مستميتًا عن أحكام القضاء وعن وجوب احترامها، يدافع عن الإعلام بمنتهى القوة رغم معرفته جيدًا بعدم مصداقية الإعلام المصري وتحيزه الواضح والصريح ضد مرسي والإسلاميين، فالقضاء والشرطة والإعلام في مصر كان رائعًا لأقصى درجة فقط في عهد مرسي، ولكن الآن بقدرة قادر أصبح الإعلام المصري منحازًا، وأحكام القضاء أصبحت مسيسة في نظره! كل هذا لمجرد أنهم انقلبوا عليه كما انقلبوا على الإسلاميين.

يطالب مرسي بأحكام ثورية، وعلى جانب آخر يطالب مرسي باحترام أحكام القضاء ومؤسسات الدولة!

يخرج ليدعم انقلابًا عسكريًّا على تيار سياسي في 30/6 لمجرد اختلاف أيديولوجي معه، وعدم قبوله كزميل معارض، فتجده متجاهلاً أكتر من 20 ألف معتقل من تيار الإسلام السياسي، بينما يقف صارخًا وغاضبًا عند اعتقال أي شخص من التيار المدني والثوري مثل أحمد دومة وغيره.

الانقلاب في تركيا ومصر

أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان في 2016، خرج كمال كليتشدار زعيم المعارضة العلمانية هناك وأعلن دعمه لأردوغان؛ بل وطالب شباب حزبه بالنزول للميادين دفاعًا عن شرعية أردوغان وقال جملته الشهيرة: «نحن نرفض سياسة حزب العدالة والتمنية، وأردوغان ديكتاتور فارغ، ونتمنى أن يزول حكمه اليوم قبل غد، ولكن ليس بانقلاب عسكري، بل بصناديق الاقتراع، دون تدخل الجيش في اللعبة السياسية».

 في مصر وجدنا جبهة الإنقاذ وأحزابنا العلمانية الثورية تهلل وترقص عقب الانقلاب على مرسي، ووجدنا فقط شباب التيار الإسلامي في الميادين يدافع عن شرعية مرسي الدستورية!




عقب الانقلاب تحول كل شيء رفضه صديقنا مع مرسي إلى شيء جميل ورائع مع السيسي، مع وجود بعض الاختلافات السياسية البسيطة مع نظام  السيسي، فوجدنا البرادعي تحول من رفضه لمنصب رئيس الوزراء إلى قبوله منصب نائب الرئيس للعلاقات الخارجية في عهد  عدلي منصور، والذي أعتقد أن دوره كان قائمًا على إقناع الغرب بأن ما حدث ثورة وليس انقلابًا،  فالبرادعي ليس مجرد ناشط سياسي؛ فهو حاصل على جائزة نوبل قبل أي شيء، بالإضافة إلى كونه عاش أكثر من نصف عمره بالخارج في أوروبا والولايات المتحدة؛ مما جعله على معرفة ليست بالهينة بمسئولين، وبمحطات إعلامية كبيرة في أمريكا وأوروبا بمقتضى عمله آنذاك كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

صديقي يعتقد أنه الوحيد من يمتلك ذاكرة تمنكه من تذكر كل أخطاء تيار الإسلام السياسي في حق الثورة! ولكن لا يستطيع تذكر أي موقف مخزي لأحزاب المعارضة المدنية في عهد مرسي، متناسيًا تحالفه مع العسكر في 30/6 سعيًا لإسقاط مرسي، وموافقته على حل البرلمان والدستور. كل ما يعرفه هو أن الإسلاميين خانوا الثورة!

 بعد كل هذا يخرج صديقنا بمنتهى البرود وهدوء الأعصاب ليقول إن الإسلاميين خانوا الثورة مثلهم مثل العسكر، مبرئًا نفسه من أي اتهام باشتراكه في إفشال الثورة، وتحالفه مع العسكر  بقصد أو بدون قصد! ولكن كيف نجرؤ على انتقاد صديقنا الثائر ضد كل ما هو إسلام سياسي؟!




1xbet casino siteleri bahis siteleri