لم يكن لدي حلم…

أعترف أني ضعت كثيرا قبل أن أجد حلمي الخاص… تهت كثيرا في الطريق. أحيانا مشيته لوحدي وأحيانا أخرى كانت هناك صحبة تؤنس وحشته وطوله لكنها سرعان ماكانت تفلت يدي لأجد نفسي وحيدة مرة أخرى مضطرة للقتال من أجل ما أومن به.

لم يكن لدي حلم ككثيرين يعيشون على هذه الأرض لا يعرفون لم أتوا ولم سيرحلون ولا ما سيفعلون قبل الرحيل وبعد المجيء، كل أوقاتنا أوقات مستقطعة نستريح فيها من تعب الطريق نستريح فيها من أنفسنا وأحيانا نستريح لأننا ارتحنا كثيرا فآلفنا الراحة… لم يكن لدي حلم كنت أعيش كل ساعة بساعتها كل يوم بيومه كل لحظات الطيش الطفولي بأدق تفاصيلها، لم أفكر كثيرا ماذا أريد أن أكون ولا كيف سأكون ما أريد… كان همي الوحيد أن أستمتع بكل شيء بأفضل طريقة ممكنة… أدرس قليلا لكن أفكر كثيرا، كنت أعتقد في وقت ما أن العالم مسؤوليتي وأن اصلاحه مهمتي لكن رغم ذلك لم يكن لدي حلم.




لم يكن لدي حلم عشت أبحث عن نفسي طوال الطريق أجرب كل شيء أدرس ما لا أحب كي أصل الى ما أحب ثم أدرس ما أحب ومن ثمة لا أصل لما أحب… ثم أجرب شيئا جديدا قال عنه الآخرون أنه يحمل مساحة أمان وضمانا من تقلبات الدهر… عملا كأي عمل آخر يضمن لك راتبا ودخلا قارا ومكانة اجتماعية فجربت… لم يكن لدي حلم ولم يكن الأمر يشكل مشكلة فأنا كآلاف منا يعرفون أن الأحلام لا تناسبهم لأنهم ولدوا في أوطان لا تترك مساحة للأحلام بل تتكفل بوأدها بلا رحمة… أنا كملايين يعرفون أنهم يحتاجون لمعجزة تحل بأوطانهم كي تتحقق أحلامهم يدركون جيدا أنهم يحتاجون ليقاتلوا كي ترى أمنياتهم البسيطة النور في بلاد يكسوها الظلام من كل جانب.

مقالات مرتبطة

لم يكن لدي حلم ربما كانت هناك أمنيات صغيرة وساذجة أرددهما كما نفعل جميعا عندما يسألوننا بماذا تحلمون فيكون الرد الساذج “صحفية”، “أستاذة”، “طبيبة”… يجعلوننا نعتقد بشكل واهم أن مهنتنا في الحياة حلم وهي فعلا كالحلم في بلاد عليك ان تصارع كي تجد لك مكانا في جامعة من جامعاتها، لكنهم أبدا لم يجربوا أن يعلمونا كيف نحلم كيف نجعل أرواحنا حرة تنطلق في الوجود وتهيم فيه إلى أن تجد مستقرها، لم يعلمونا أن نجد لأنفسنا مساحاتنا الخاصة… مواهبنا الخاصة… أفكارنا المتفردة… شخصياتنا المستقلة… لم يعلمونا أكثر من أن نكون نسخا تجعل من أمنياتها أحلاما ومن الأشياء التي يجب أن تؤمن وتقاتل من أجلها أوهاما.




لكني يوما ما تعلمت أن أحلم… بل تعلمت كيف أجعل حلمي يقودني… كيف أستسلم له وأسلمه نفسي ليفعل بي ما يريد… تعلمت يوما ما أن أومن بنفسي أن أومن بأن لي مهمة في هذا الكون تتعدى مهنتي التي أقتات منها… تعلمت ذات يوم ان أحلق في هذا الكون وحيدة دون أن أنتظر من أحد أن يمسك بيدي فقوة الأحلام ستجعله يفعل لاشك… تعلمت أن أحتفظ بروح طفلة لا ترى المستحيل عائقا يمنعها المحاولة.

تعلمت ذات يوم وأنا بين جدران المدرسة أني أضعت 18 عشرة سنة بين المدارس والجامعات دون أن أعرف كيف يمكنني أن أحلم كيف يمكنني أن أقاتل وأقاتل لأرى حلمي ينبض حياة… لكني تعلمت ما فاتني بين جدران المدرسة حيث كان يفترض بي أن أكون معلمة لأجد نفسي أتتلمذ على يد أولئك الأطفال الصغار الذين اختارهم الله لي واختارني لهم… تعلمت منهم كيف أومن بنفسي وكيف أثق فيها كيف أترك العنان لمخيلتي كيف أجعل هدفي في الحياة أكثر من مجرد راتب ومنزل وسيارة.

تعلمت ذات يوم منهم كيف أحب وأحَب كيف يكون العطاء بلا حساب فيكون الرد بلا حساب أيضا… عرفت وأنا بينهم أن ذلك الطفل الصغير لا يكبر إذا أردناه ألا يكبر وأن ذلك الطفل بداخلنا وحده القادر على جعلنا نحلم ونحلم ونؤمن أننا على تحقيق أحلامنا قادرون.

وفجأة أصبح لدي حلم وفجأة أصبحت أومن بالمعجزات وفجأة آمنت أني قد أحمل نورا في قلبي يكشف الظلم والظلمات… فجأة أصبحت أبتسم كلما تذكرت أن لدي حلما ينتظرني علي أن اقوم له… لم أعد أحلم ان أكون كاتبة ولا روائية ولا صحفية ولا أستاذة جامعية… لا هذه ليست أحلاما… بل أصبح حلمي الوحيد ان أشكل فرقا في المكان الذي اختارني الله أن أكون فيه…

الأمر أشبه بأن تحاول أن تكون ذلك الشخص الذي احتجته أن يكون بجانبك ذات يوم ولم تجده… أن تتخيل ماذا لو أن كلمة واحدة قلتها لمراهق غيرت مجرى حياته ماذا لو أن حضنا واحدا منحته لمن يحتاجه كان كفيلا بعدوله عن فكرة الهروب… ماذا لو أن ابتسامة عفوية لامرأة متعبة كانت كفيلة بأن تعطيها أملا… ماذا لو أن وجودك في حياة أحدهم كان كفيلا بجعله يشفى أو يقاوم كي يستمر.
ماذا لو أنك عملت نفس العمل الذي يعمله الملايين لكن بروحك الخاصة التي ستجعل منه رحمة وملاذا للمتعبين… ماذا لو أنك كنت قبسا من رحمة الله تتنزل على الناس فتطعمهم سكينة ورضا.




1xbet casino siteleri bahis siteleri