أبداً لن تكون وحيدا مع وحدتك

أحيانا يا صديقي وصديقتي نقف في مفترق طرق، وكأننا نشاهد مباراة كرة مضرب، نحرك رؤوسنا تارة من هنا وتارة من هناك باحثين عن شيء ما، شيءٌ، عن إنسان يحس بوجود هياكلنا المهترئة، فلا يرفع مخلوق يده ولو مازحا أو مصادفةً، فيتملك المرء حينئذ نوع من تلك السوداوية أو الوحدة التي يشعر فيها أنه تائه بدون عنوان ولا سبيل، ولكن في نفس الوقت لا يمكننا نزع تلك الوحدة من عطر وجودنا، فهي تعبر معنا، تمكث وتسافر وتضحك و تحزن معنا، لذا فهي جزء لا يتجزئ من متاهات فكرنا وسمفونيات أرواحنا، الوحدة صديق أبدي، صديق مخلص يعانقنا ولا يتجاهلنا عند حاجتنا إليه، بل إن الإنسان هو من يحتاج صديق الوحدة أحيانا فنناديه راجين منه الالتفات والاقتراب ليواسينا ويطأطئ على أكتافنا.



مقالات مرتبطة

من منا لم تساعده وحدته وخلوه بنفسه من استرجاع شريط ذكرياته و الغوص في تقليب ثنايا صفحات أفكاره و سبر أغوار نفسه و تكبيل نزواته و في لمس خبايا موسيقى الطبيعة و الانزياح لعالم الخيال المتحرر من قيود الواقع الشحيح، من منا يجرأ أن يتفوه بكلمة تسيئ ولو بالقليل في حق وحدته، فهي التي حملته إلى وجوده و ستنتقل معه إلى أبعد مما كان يتخيل يوما، إن الأحياء وحيدون و الموتى وحيدون أكثر، إننا نضع يدنا في يدها دون أن نشعر حتى بذلك، البعض منا تتجسد له ضميرا حيا يحاوره و الآخرون يرونها ملاذا للنعيم بالسكون، أو لم يلجأ إليها الأنبياء و الرسل؟ ألم يحتمي بها كبار الأدباء و الفنانون و العلماء؟ ألم تساعد البشرية على استلهام خبايا الوجود ؟ أو لم يقل أحدهم أن في الصميم نحن وحيدون، حياتنا أشبه بالعلب الصينية: علبة داخل علبة وتتضاءل العلب حجماً، إلى أن تبلغ العلبة الصغرى في القلب منها جميعاً، وإذا في داخلها لا خاتم ثمين من خواتم ابنة السلطان، بل سر أثمن وأعجب: الوحدة. إن السجين يراها حريته و الحزين منديل دموعه و المريض شفاءه و المحارب استراحته و فيما يراها العاشقون بالذات “إنسانا”، نعم الوحدة إنسان يتجسد في قالب رجل أو امرأة، الواحد منهم ينظر للآخر كوحدته الأبدية ففي بعضهما ينصهران و يتخلصان من غموض المصير، فتتشابك الأرواح و تتناغم كلوحة مختلطة الألوان و كامتزاج الشتاء بأكواب القهوة الساخنة أو انعكاس صفاء السماء بالماء، إنسان وحيد بإنسان آخر و هكذا …




لذا اطمئن و نمْ مرتاح البال فلن تكون وحيدا أبدا صديقي، صدقني ! إنها جزء لا ينفصل منك و مني، بها نهرب إلى ذواتنا التي اشتقنا لاحتضانها، فنكون أمامها عراة منكشفون فلا حجاب يسترنا و لا عيون تتربصنا، نعم معها نكون أحرارا، أطلقوا العنان لأنفسكم و زوروا وحدتكم و تفكروا فيها جمالها و كرمها و لا تتأملوا فيها بخلها أو تعتقدوا أنها صَدفةً تنغلق على نفسها .
أنا وحيد جدا جدا بطريقة ما لأن أكثر حواراتي و تحدثي كان مع نفسي و مع ذاتي، لا عفواً بل مع وحدتي. الوحدة عنوان و سبيل عندما تخدعك الأيام، و هي في إيماني سنة من سنن الله في الوجود.



1xbet casino siteleri bahis siteleri