واسألو عن أشياء إن تبد لكم ترقكم!

لم يكد يوجد في أيامنا هاته من خلت يده من هاتف و أنترنيت يجعله على اتصال دائم بما تجود به وسائل الإعلام من أخبار و على اطلاع مستمر بما تعيشه شعوب العالم من أحداث و لعل ذلك كان المقصود مما علمونا إياه على مقاعد الدراسة الأولية أن التكنولوجيا جعلت العالم قرية واحدة بظهورها و مزجت بشموليتها الثقافات على تعددها لكن ماذا إن كان للواقع رأي آخر و كان هذا الإعلام التكنولوجي مواراة للواقع و نسجا للخيال بين جدران القرية المزعومة و في عقول من ينهلون من معينه و لا ينجو منه إلا من نقبوا عن كنه الحقيقة بين غبار الشائعات و المسلمات الاجتماعية ؟
كثيرا ما يتبادر إلى الأسماع ،على لسان مسافرين و رحالة ،عبارات من قبيل كنت أحسب مكانا ينعم بالامن و وجدته على شاكلة أخرى أو كنت أظن أن هذا الشعب شديد بالانغلاق فإذ بي أجده عكس ذلك و ما تلك الظنون و الأحكام المسبقة إلا من وحي إعلام سوقها لهم فتبنوها عن طيب خاطر .

و عندما يلام الإعلام ، لا يسلم أي مجال من مجالاته من أخبار و وثائقيات و حتى ميدان الأفلام، إذ يتحمل منتجوها عبء ما يسوقونه من حياة يومية لسكان معينين في تاريخ معين و تكون عند المشاهد فكرة مبدئية عنهم و قد تصل إلى كونها الوحيدة إن كان هذا المشاهد ممن لا ينقبون عن كنه الأحداث و الأماكن سواء أكان مصدرها إعلاما دوليا أو محليا .
فحديثا عن الدولي منه ، كان من بين الالقاءات التي حضرتها و شدت انتباهي إلى قدرة الإعلام على نشر ثقافات مغلوطة ،محاضرة ألقاها أحد المقاولين المغاربة يحكي فيها عن تجربته الخاصة التي زار فيها إيران لمدة شهر سبر فيها بعض أغوار بلد تحفه العقوبات الدولية من كل جانب فتمنعه من تصدير أو استيراد حاجياته .بالمقابل ، لم يبق الشعب الإيراني مكتوف الأيدي تجاه وضع بلده السياسي بل دفع ذلك بكافة شرائح المجتمع للعمل ليل نهار لضمان مستوى عيش كريم لهم على حد سواء فقضوا عن مفهوم الطبقية بشكل شبه كلي دون أن يتخلوا عن ضيافتهم للأجانب حيث يزورها ملايين السياح سنويا من كل الطوائف و الأجناس. أضف إلى ذلك ،الازدهار الذي يتمتع به البلد من مطارات دولية ،وسائل نقل مختلفة ،جودة المنتوجات المنتشرة في الأسواق بل و الأكثر إثارة أن كل شيء محلي حتى التعليم تدرس جميع مستوياته باللغة الفارسية دون تأثر بالإنجليزية العالمية قط بل و لم يحل ذلك دون توفرهم على أكبر مكتبة في العالم بين رفوفها أزيد من 500 ألف كتاب ، لتكون بذلك إيران كتلة واحدة تجسد المعنى الأسمى للاستقلال الاقتصادي خاصة و التنموي عامة. لكن كل تلك الاستقلالية لا تكاد تجد لها مكانا بين سطور المقالات العالمية؛ ثقافية محضة كانت أو إخبارية ، باستثناء ما يروج باسم البلد كصور المخطط النووي و تحذيرات من خطورته على العالم بينما لا تجد من يتحدث عنه في صفوف الإيرانيين حسب المقاول نفسه ، و ذاك حال مسألة الدين و الشيعة هي الأخرى، فأهل إيران لا يعيرونها بالا و لا يسألون وافدا عن انتمائه ليخصوه بتعامل إذ ،رغم تباين النسب ،يتعايش في البلد ذاته شيعة و سنيون و لا تسمع ذكرا للسنة على لسان الشيعة إلا بعبارة إخواننا السنة عكس ما يشاع عند العامة من تعصب جل الشيعة لمذهبهم و عدوانية طقوسهم و تبلغ هذه المغالطات ذروتها في موسم عاشوراء في صفة مقاطع فيديو مأساوية تنسب للشيعة لكن أبطالها ،و إن كانو من معتنقي المذهب ،ما هم إلا جزء من كل .
مرورا للإعلام المحلي -و المغربي خاصة -و تضييقه للمفاهيم إن حدث و تطرق إليها ، خير مثال يعبر البال موسم يقام بمنطقة إملشيل بالمغرب يطلق عليه موسم الزواج .

مقالات مرتبطة

يشتهر هذا الموسم عند المغاربة بكونه موسما تقام فيه حفلات زواج شباب المنطقة ضمن طقوس خاصة حيث تصطف اليافعات في سن الزواج جنبا إلى جنب و قد غطين وجوههن ، ليقوم الراغب بالزواج بالكشف عن وجوههن تباعا حتى إذا أدرك غايته و وقع اختياره على إحداهن تزوجها . قد يعزى انتشار هذه الفكرة إلى اسم الموسم تحديدا لكن وصف الطقوس لا يأتي من خيال بل مصدره عدم صدق ناقلي الأخبار و بالتالي تشكيل كم معلومات و أفكار لا تمت للواقع بصلة حيث أن أسر إملشيل قاطبة أسر محافظة، أبطال مقاومة و لهم غيرة منقطعة النظير على بناتهم فلن يرف لهم جفن إن مست إحداهن بأذى فكيف بها لو عرضت كمزاد كما يذاع. عند حضور الموسم فعليا ، يستغرب كل زائر من أجوائه التي تمر كغيرها من أجواء المواسم الشعبية المغربية ، بصفته سوقا كبيرا و عامرا بالتجار ينسب للولي الصالح سيدي أحمد اولمغني المعروف باللهجة الأمازيغية المحلية ب”أكدود نولمغني”. بالنسبة للتسمية المتداولة ‘موسم الزواج’ فقد كان لتموقع المنطقة جغرافيا و صعوبة الوصول إليها حظ الأسد في فرضها ،لكون إملشيل منطقة نائية تبعد عن الراشيدية بحوالي 200كلم عبر طريق وعرة مما يحرم السكان من عدة مصالح إحداها تواجد القاضي بشكل دائم، فما كان منهم إلا أن جعلوا الموسم فرصة لقدوم القاضي حتى يتمكن كل من أراد الزواج من عقد قرانه دون التنقل المتعب إلى الراشيدية أو الريش كأقرب الأقطاب الحضرية .
فشتانا بين ما يعيشه الإيرانيين من إحساس بالأمن المطلق بين أحضان بلدهم و بين ما يتخيلهم عليه مستهلكو المعلومات من عنف و جهل ، و شتانا بين أفراح تراقص قلوب حديثي الزواج بموسم إملشيل و بين ما يتواتر عنهم من عادات هم منها بريئون براءة الذئب من دم يوسف .

فلا سبيل إذن للإفلات من سطوة الإعلام إلا بتمحيص كل معلومة ، من التي لا تتجاوز الجملة الواحدة إلى التي تتعداها إلى صفحات ،و وضعها محط نقاش لا ترقى إلى يقين حتى يتسنى التحقق منها و تلك صفة لا يتسم بها إلا من جعل الرحالة بداخله ينتفض ابتغى السفر و الاستطلاع نمطا للحياة فمن لم يجد فله في مرافقة الكتب خير بديل شرط انتقائها بعناية فالعقل الذي يميز الإنسان عن باقي الكائنات جدير بأن يدفع عنه صاحبه العبثية أيا كان مصدرها
فاسألوا و تساؤلوا عن كل ما ترمقه أبصاركم و ينفذ إلى آذانكم فكثير من الأشياء إن تبد لكم ترقكم ..

1xbet casino siteleri bahis siteleri