عيد الاستقلال.. واقع أم خيال

0 4٬098

تذكرت عندما كنا نقيم في بلجيكا قبل ست سنوات كيف أننا بقينا ننتظر يوم عيد استقلالهم على أحر من الجمر من فرط الاعلانات عن الاحتفال بذلك اليوم والترتيبات التي تخص تغير مسار بعض الحافلات وتوقيت الميترو وطريقة الوصول إلى الأماكن التي ستقام فيها الاحتفالات، وحديث الناس عن هذا الحدث الهام.. وجاء يوم العيد وأحسسنا حقا وكأننا في عيد، حركة غير عادية، أجواء احتفالية طوال اليوم، استعراضات، فضاءات للعب الأطفال، أروقة عديدة، مأكولات شعبية، ألعاب نارية .. والمثير في الأمر أن حصة الأسد كانت للأطفال، من كثرة فضاءات اللعب والبهلوانات والأروقة المخصصة للصغار، هذا لصنع التيجان بالبالونات الطويلة بألوان علم البلاد، وهذا لوضع ماكياج للصغار على شكل حيوان، أو رسم علم البلد على الخد أو الجبين، وهذا الرواق العلمي يعلمك كيف تدخل البيضة في قنينة ذات فتحة صغيرة أو كيف تثقب بالونا دون أن تفجره… مع شرح هذه الظواهر الفيزيائية، وهذا يعلمك ألعاب الخفة، وذاك لصنع الفقاعات، وآخر للأعمال اليدوية (كلها بالمجان بالتأكيد)… حتى خلت أني في اليوم العالمي للطفل وليس في عيد الاستقلال الذي تعود ذكراه إلى سنة 1831

على الساعة الرابعة زوالا، كان لنا موعد مع الفقرة الاستعراضية للموكب الملكي ثم الاستعراض العسكري الأرضي والجوي، والاستعراض المدني… تابعت العروض باهتمام كبير لأنه لم تتسنى لي رؤية دبابة أو طائرة حربية أو حتى جندي بالعين المجردة من قبل. كان المطر يهطل بغزارة، تأملت الحضور الذين اصطفوا طوال الشارع، فإذا بالجميع يقطر من كثرة المطر الذي لم يمنع لا المستعرضين من العرض، ولا المواطنين كبيرهم وصغيرهم من متابعته، بما فيهم أبناء الجالية المغربية، بل وحتى السياح لم يتولوا حتى ظننت أن الحضور إجباري، وقد يعاقبون إذا ولوا إلى ديارهم، كما كان يفعل بنا ونحن تلاميذ إذا لم نحضر إلى استعراض عيد العرش المجيد، إذا حالفنا الحظ واختارنا المعلم لأداء هذا الواجب السامي، أذكر الوزرة البيضاء والشريطين الأحمر والأخضر ونشيد “أي ذكرى اليوم نحيا بين أغلى الذكريات، هي رمز وطني هي عهد المنجزات، نتلقاها ببشر وجميل الزهرات ولسان يتغنى وثغور باسمات…” هذا كل ما يربطني بالأعياد الوطنية، ذكرى 3 مارس، والمحظوظ من وافق عيد ميلاده هذا التاريخ، أما بعد أن تغير هذا التاريخ وأصبح يتوافق مع العطلة الصيفية، فلم يعد يربطني به شيء، ولا حتى عيد الشباب، ولا ثورة الملك والشعب، وللأسف ولا حتى عيد الاستقلال. بخلاف المسيرة الخضراء التي ارتبطت ذكراها عندي بصورة المتطوعين الحاملين المصحف بيمناهم والعلم المغربي بيسراهم. وأغنية صوت الحسن الشهيرة.

ربما أعطيتنا دروس عن الاستقلال في مادة التاريخ، ولكنها محيت من ذاكرتي مع آخر حرف كتبته في ورقة الامتحان. ربما حكت لي جدتي عن رؤية محمد الخامس في القمر، ولكن ماكان ذلك إلا ليزيدني تكذيبا للخرافات ونفورا من التضخيمات التي نسمعها في التعليقات على المراسيم الملكية. ربما تنظم تظاهرات في ذكرى عيد الاستقلال، ولكني لم أعلم يوما بها، حتى في عهد الفايسبوك الذي لم يعد يخفى علينا فيه خبر. الشيء الأكيد هو أن هذه الأعياد الوطنية تمنحنا أياما إضافية من الراحة في السنة. أكيد أنني أتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية لجهلي بتاريخ وطني، وأحس الآن بالحرج وأنا أكتب هذه السطور معترفة بواقعي، ولكن كان بودي أن تربطني بيوم 18 نونبر ذكريات طفولية مميزة مملوءة بالفرح، كان بودي أن أحفظ حكاية تحرير الأميرة ذات الفستان الأحمر المزين بنجمة خضراء من يد الاستعمار كما أحفظ فصة سندريلا، كان بودي أن أرسم علم بلدي على خدي في يوم من الأيام دون أن يعتقد الناس أني خارجة لتوي من ملعب كرة قدم، كان بودي أن ألبس الأحمر والأخضر في يوم ما دون أن يسخر مني زملاء القسم.

الآن فقط أدركت لمذا يحتفل البلجيكيون ب”اليوم العالمي للطفل” في عيد الاستقلال.

1xbet casino siteleri bahis siteleri