أن تريده .. وأن تريده حقاً

بعد سؤالها عن أحلامه على المدى البعيد وعن مميزاته كطالب وكإنسان، يجيب صديقي بأنه لا يستعمل كلمة حلم لأن الحلم يرتبط غالبا بما هو صعب جداً إلى مستحيل، هو يفضل كلمة هدف لأن الهدف لا يستحق اسمه إلا بعد التخطيط وهو مايجعله قابلاً للتحقق ولو على مدى بعيد، وسط ابتسامة محاورته واندهاشها من نباهة مراهق في السادس عشرة من عمره، يجيبها على الشق الثاني من سؤالها، بكونه إنسانا يعمل كثيرا ويعمل بجد، “يكفيك أن تقول مصمم déterminé ” تقاطعه هي؛ يرى هو أن التصميم لا يكفي، فقد تريد الشئ بشدة لكنك لا تعمل لتحقيقه، لا تستثمر جهدا ولا وقتا، فقط تريده بشدة وتطمح لوصوله، إن العلاقة بين الاثنين علاقة التزام لا تكافئ، فالمجد انسان مصمم، لكن المصمم ليس بالضرورة مجد.
تحضرني هذه المحادثة، كلما أردت شيئا وتقاعست عن العمل في سبيل تحقيقه، أخبر نفسي بأن إرادة الشئ لا تكفي، وأني أحتاج مخططا واضحا يتطلب مني التزاما صارما… وضوح المخطط و صرامة الالتزام به، لا يعني أن تعتزل الحياة، وأن تقاطع نشاطاتك اليومية،يكفي أن تحدد ما تريد، أن تضع لائحة أولويات، ليس بالضرورة لائحة ورقية مكتوبة بعناية و إتقان،لائحة ذهنية تفي بالغرض، ما يلزمك هو الاقتناع بأن المدون عليها هو حقا ما تريد، كل الأمور الأخرى تأتي وحدها..
ما أكثر الأشياء التي أردناها بحق، لكننا لم ننلها، فشككنا في مجهودنا مرة ولعنا الحظ مرات عدة، نحن متأكدون أننا رغبنا بها جداً، حتى صارت جزءا من حياتنا، حدثنا عنها البعيد قبل القريب، تخيلنا حصولنا عليها، وتدربنا على مختلف ردود الأفعال لحظة التحقق، رأيناها في أحلامنا ونحن نيام، وابتسمنا لها في خيالاتنا ونحن قيام، أخبرناها العم صلاح أكبر معمري الحي، وبسطناها للرضيع لؤي أصغرهم، صارت جزءا منا، وصار تحققها يقينا لا يقبل شك.. لكنها لم تتحقق، ليس لأننا لم نرغب بها بحق، فقد رغبنا، لكننا كنا أضعف من أن نخطط أونستثمر مجهودا في سبيل تحقيقها، فأقنعنا أنفسنا أن الرغبة تكفي وأن الحديث يكفي، وأن الولع يكفي.. ويا ليته كفى.

مقالات مرتبطة

تخبرني صديقتي أنها تكره التراجع عن خطوة مهمة فقط لأنها خائفة، تفضل – هي أن تناقش خياراتها بعيداً عن الخوف، أن تتخلى عن الشيء لأنه ليس خيارها الأفضل وليس لأنها خائفة منه، أو أن تتشبت بشي جديد وغير مألوف لأنها تريده حقاً، حتى وإن كان يرافقه الخوف، تقول – هي أن تراجعك عن هدف بسبب الخوف يعكس ضعف رغبتك – المزعومة – فيه ، أرى – أنا أنه انهزام في معركة لم تكلف نفسك عناء خوضها، فاكتفيت بالاستسلام واهما أنه أقل الخيارات أضراراً.. ويا ليته كان كذلك.
طبعاً، لا مجال للخلط بين الاحتراز، أو الخوف المدروس – كما أسميه، و الخوف، فالأول جاء بعد بحثك في مدى استراتيجية الهدف و قابلية تحققه، وهو واجب، إذ لا معنى لتشبتك بشيء وأنت واثق من خطورته أو استحالته، أما الثاني – أي الخوف – فهو شعور إنساني يسبق كل خطوة جديدة قد تهدد استقرار حياتك وتخرجك من منطقة ارتياحك، وهو أمر عادي، تعلم تجاوزه .
نعم، إن كتابة مقال عن تخطي الخوف والتخطيط هو أمر بسيط، فما أسهل التنظير وكتابة نصائح تطوير الذات، لكن التطبيق والالتزام هو أكثر ما يعيقنا .
دعك إذن من كل ما سبق واسأل نفسك، هل تريد الشيء.. أم تريده حقاً؟

1xbet casino siteleri bahis siteleri