بين الحضور و الغياب، بين الطاعة و العصيان

مصطلحات كثيرة، تعابير كثيرة تختلجك و كلها تصب في نفس الحقل الدلالي، لكنك غير قادر على تحديد عنوانه بشكل مضبوط، أ تسميه اكتئابا، تعبا، مللا، توترا، أم احتياجا؟ جميعها قريبة مما بداخلك و جميعها تختلجك لأكثر من مرة في اليوم، ولها ميعادان لا تخلفهما، الميعاد الأول عند استيقاظك و الثاني عند نومك، تأتيك عند فتح عينيك لتتجمد عيناك على سقف الغرفة و كأنك تكتشفه للمرة الأولى تنزل بعينيك على الجدران ثم الأركان لتجد بجوارك قنينة ماء نصف مملوءة، تلتفت للنافذة ليزعجك نور الشمس الساطع، تستقر عيناك على تلك النبتة الصغيرة التي أقسمت على أنك ستعتني بها، لتجدها ذابلة منكسرة لكنها لازالت واقفة كروحك تماما، تتوجه للحمام تتجاهل النظر في المرآة فذاك الوجه الذي تظهره مرآتك كل صباح ليس بوجهك، تتسأل لم أكن هكذا عيناي لم تكونا ذابلتين و تلك الهالات السوداء لم تكن فيهما يوما فمتى أحاطتا بعيناي؟ تلك الشفاتان المقوستان للأسفل عند الزوايا ليستا بشفتاي و تلك البشرة الشاحبة ليست بشرتي، تستمر في تجاهل مرآتك و أنت ترى في مخيلتك ذاك الوجه الذي كنت تراه كل صباح حتى أصابك بالنفور من مرآتك، تغلق صنبور المياه و تتوجه لسجادتك قصد الصلاة تتفاجأ بأنك غير قادر على قول دعاء واحد رغم زحمة الأمنيات بداخلك و السبب غالبا هو تزاحمها حد الاختناق، لتنطق جملة واحدة 《يا رب》، و تطلب بلهجتك المحلية إصلاح الحال و رضا الرحمان.

مقالات مرتبطة

تتوجه لدولابك تختار لباسا غامقا بعشوائية، تغلق باب بيتك خلفك ثم تبدأ في سرد أذكار الصباح التي تتوقف في كل لحظة بسبب شرودك ثم تعود لاستكمالها عند استيقاظك من ذاك الشرود، بخطوات سريعة تنداس وسط الزحام ووسط أصواتهم العالية علها تلهيك عن تلك الأصوات التي بداخلك، تجد في البعض بلسما لنفسك، تجد في الآذان نداءا للارتياح من كل ذاك من تراكم الأعمال، و تجد في السجود لخالقك شيء من إفراغ ذاك الإختناق و إكتساب شيء جديد منعش مريح و مطمئن يعينك على تتمة يومك، تعود للمنزل لتتساءل لم لم تؤلمني كلمة فلان؟ لم تبهرني قدرات فلان؟ لم لم تسعدني طيبة فلان؟ لم لم أعد مهتمة لوجبتي أ باردة هي أم ساخنة؟ يكفيني أن تغذيني؟ لم كل المذاقات صارت واحدة و كل الألوان باتت متشابهة؟ لم و لم و لم… ؟.

ترتمي على سريرك موجودا في الوحدة شيئا من الارتياح و ما تلبث أن تستريح حتى تأتيك مؤنستك عند ميعادها تلتف حولك و تجلس بجوارك بكل اعتيادية، لتكتشف بسرعة عنوانا لكل تلك المصطلحات التي تعيشها و تعيشك، العنوان هو الانطفاء، إنطفاء أدى إلى البرود و الهدوء و التخمة من كل الأحداث، إنطفاء لا ينيره غير التفكير في خالق الكون و الطمع في رضاه، إنطفاء حاضر و مسيطر و كلما غاب عاد لزيارتك مجددا، تبتسم سخرية من حالك فلا شيء عاد يؤلم و لا شيء عاد يبهر، مجرد سلام داخلي متأرجح مع هذا الانطفاء، يتناوبان على هذا الجسد المنهك و هذه الروح الحائرة، فجأة تتذكر تلك النبتة الموضوعة في النافذة تسقيها محاولا إنقاذها من الموت،تستغفر و تصلي لتسقي روحك محاولا إنقاذها من هذا الانطفاء (الموت)، تحاول أن تنام ليأتيك قوله تعالى 《و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا》، تستبعد الفكرة فلست بالبعيد جدا عن ذكر المولى، لكن لاشيء يؤكد أنك قريب، لا يوجد غير هذا الانطفاء المتأرجح بين الحضور و الغياب ليؤكد على أن القرب متأرجح بين الطاعة و العصيان، فتفكر عساه ابتلاء أو ليس المؤمن مصاب؟ تغمض عيناك و أنت تفكر و تفكر وتفكر… ،فجأة تفتحهما من جديد كمن كان في سبات عميق لأحقاب، تفتح عيناك في سقف الغرفة لتكتشف أنه يوم جديد أغلب ما فيه لن يكون بالجديد، لكنك هادئ راض و متفائل فعساه يحمل خيرا جديد.

1xbet casino siteleri bahis siteleri