لا أتمنى أن يصبح ابني ممرضا

إن القارئ لهذا العنوان سيتبادر إلى ذهنه أني أنظر إلى مهنة التمريض نظرة متدنية مثلما ينظر إليها المجتمع المغربي ، لكنني لست كذلك فأنا فرد من الجسم التمريضي ورقم من آلاف الخريجين المعطلين لثلاث سنوات من معاهد التمريض التابعة لوزارة الصحة واوحدة من بين عشرات الأخصائيين في الحمية والتغذية العاطلين بالمغرب، ناهيك عن الخصاص المهول في الموارد البشرية الذي يعرفه قطاع الصحة . الكثير من القراء سيتساءلون عن عنوان تدوينتي هل أنا اعشق مهنة ملائكة الرحمة أم العكس؟ فمهلا لا تتعجل الجواب ودعني أبسط الأمر و أشرح لك كل شيء قبل أن تحكم علي .

فهذا العنوان مستوحى من قصص واقعية يومية، بطلها الممرض المغربي سأحكي معاناة هذا الطائر الجريح حتى تدرك سبب اختياري لهذا العنوان الجريء والغريب شيئا ما. منذ ما يقارب السبع سنوات ، عمت فرحة ببيتنا ارتج لها الوجود بعد أن تم قبولي بمعهد التمريض، أخيرا ستنال شرف خدمة الوطن وخدمة خدمة الإنسانية والانضمام لمن كانوا دوما قدوة لإنقاذ الأرواح البشرية، و حلما لأمها أن تراها بتلك الوزرة البيضاء التي تلهب المشاعر .

لم تشأ صاحبتنا أن تكسر هذا الخاطر ولا هذا القلب الطائر الذي يرفرف فرحا وكان الحل الاستسلام للواقع والتخلي عن حلمها الذي راودها منذ نعومة اظفارها وطموحها في دخول مدارس المهندسين العليا ، فأغلبية طلبة التمريض لم يختاروا مهنة التمريض حبا فيها إلا عدد قليل ، فئة ولجت عالم التمريض لأن معدل الباكلوريا لم يؤهلها لدخول كلية الطب والصيدلة أو مدارس عليا ،و أخرى حكمت الظروف عليها بذلك سواء كانت عاشقة لها أم مكرهة فهدفها كسب عمل في وقت أقصر لإنقاذ أسرها من براثن الفقر. هذه الأخيرة اختارت طريقا لم ير النور أخطأت الإختيار لتستيقظ من حلم معه خيبة أمل وانكسار وتمضي كحصان مهزوم يحاول أن يبتعد عن ضجيج المتهامسين واللائمين والشامتين بإخفاقه بمجرد أنه خسر السبق ولم يتحقق الحلم ، خدعونا فقالوا أن التمريض هو أسهل وسيلة للحصول على وظيفة لكن هو أسهل طريقة للوجع والخذلان والاكتئاب فبعد تخرجك عالم البطالة يرحب بك ويستقبلك كأنك عروس تزف إلى بيت الزوجية، إلى قفص المعاناة مع النفس والأسرة والمجتمع.

أن تأتي الى حيث لا تعلم، هكذا كانت بداية مشواري الدراسي لكن ما تعلمته أصبح أساس المعرفة والتفاني والتضحية، هكذا هو التمريض بشكل عام ، لكن في موطني وبلدي لا يأخذ مجراه الطبيعي والحقيقي فيبدو كالسراب او كغيمة أصلها أبيض جميل نقي وظاهرها مخيف. تخرجت على أمل مستقبل زاهر على أن أمارس مهنتي وأن أكون يد العون لإنقاذ المرضى وسأكون وسيلة من الله من أجل توعيتهم وتحسسيهم أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء.

مقالات مرتبطة

استقبلتنا وزارة الصحة العزيزة بالحرمان والتضييق دمرت أحلامنا وأسرنا، دمرت تلك الروح المرحة التي تخرجت معنا من المعهد،انتهكت حقوقنا ورمتنا إلى شبح البطالة ينهش فينا كما يشاء، فلا هي سمحت لنا بإكمال مسارنا الأكاديمي ،ولا هي أكرمتنا بممارسة مهننا في وطننا والمساهمة في النهوض بالقطاع .

صوت طالما تردد في أعماقنا أن هناك أمل ، ستتحسن الأوضاع، لكن هيهيات، انتهاكات وزارة الصحة مستمرة فنحن الآن في سنة 2018، خمسة آلف خريج ممرض يضم 18 شعبة، 5 تخصصات فقط هي من ستجتاز مباريات التوظيف وتم إقصاء 13 تخصصا بدعوى عدم الخصاص كتبرير ،لكن واقع الأرقام عالم حقيقي لايمكن تكذيبه. فلماذا تم تكويننا يامسؤلي وزارة الصحة إذا كنتم في استغناء تام عن تخصصاتنا ؟ لما كسرت أحلامنا؟ ألسنا مواطنين؟ ألسنا مغاربة؟ ألا ننتمي الى بلد الديمقراطية والقانون؟ لماذا هذا الحيف اتجاه هذه الفئة؟ ما ذنبنا كي نعيش خيبات الأمل؟ نذرف الدموع على قطاع مسؤولوه غير مبالين بصحة مواطنيه فما بالنا باهتمامهم بفئة الممرضين الخريجين.

بكل بساطة ذنبنا أننا درسنا التمريض وأننا ننتمي إلى طبقة متوسطة طموحها لا يتجاوز أن تحصل على لقمة عيش. أوقفوا التكوين ،أغلقوا معاهد التمريض، احتفظوا بأوهامكم ووعودكم الكاذبة لهاته الفئة لا تدمروا آخرين كما فعلتم معنا، لا تكبلوا أيديهم كما كبلتمونا وسجنتمونا في إطار ممرض، أوقفو لغة الخشب، كفاكم لعبا بمشاعر الشباب وإعطائهم وعودا ظاهرها الصدق وباطنها النفاق .من حقنا أن نعيش عيشا كريما مليئا بالتفاؤل والتفاني .

من حقنا أن نمارس مهنتنا كما درسناها وأحببناها رغم قساوتها وأخطارها. واجب عليكم أن تدخلونا سوق الشغل للنهوض بالقطاع فالوفيات بالمئات والمستشفيات تصرخ بالخصاص والوزارة تستعمل لغة الصم. فما ذنب من اختار تخصص الحمية والتغذية او مصحح النطق او القبالة او الترويض الطبي …..وكل التخصصات المتضررة أن يحرم من حق يكفله له الدستور ، أعود وأقول التمريض من أسمى المهن التي من الممكن تعلمها لكن لا يستطيع كل من تعلمها أن يحسن القيام بها الا اذا كان يحمل من الصفات الانسانية الكثير، إن أردت من شخص أن يقدم انجازا يتناسب والهدف المنشود فلا بد من توفير الظروف الملائمة للقيام بهذا الدور، وان لم تتوفر هذه الظروف فلا يمكن الوصول للهدف المراد تحقيقه.

لنطبق هذا المفهوم على واقع التمريض بالمغرب . لا أتمنى أن يلج ابني المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بالمغرب ، ولا أشجع أي فرد أن يكون ممرضا سيعاني الويلات و سيدمر أحلامه. رجاء حققوا أحلامكم بعيدا عن مجال التمريض في هذا الوطن الجريح ،لا تفنوا زهرة شبابكم مع وزارة لا تبالي بكم حققوا أحلامكم وتشبتوا بها ، تحدوا الظروف وقولوا لا في وجه الصعاب اخترقوا حاجز الاشواك. فحياتكم أنتم من يقرر فيها ،أنتم من يقود الى بوصلة المسار الصحيح . الحياة قرارات و اختيارات وليست ظروفا، دافعوا عن أحلامكم ولا تخطئوا كما فعل الكثير منا.

1xbet casino siteleri bahis siteleri