لنصم صيام مودع !

ها قد حل علينا شهر رمضان المبارك، بعد طول انتظار.
تبتهج الأسر وتكثر التهنئات بهذه المناسبة العظيمة.
تتغير العادات اليومية ونقبل على نظام شهر رمضان ككل الأعوام السابقة.

يبدأ أول يوم في رمضان، فيشرع المرء بوضع البرنامج العملي طيلة الشهر : يحدد أوقات الرياضة خلال الأسبوع سواء قبل الإفطار أو بعد منتصف الليل، كما يحدد المسلسلات الفكاهية والبرامج الترفيهية التي سيتابعها. لعله أيضا يخصص وقتا وجيزا لقراءة آيات محكمات من القرآن الكريم (بعد هجرة طويلة) كما يكون له نصيب من صلاة التراويح، بعباءته الرمضانية الخاصة، قبل أن يذهب إلى المقهى رفقة أصدقائه. وللنساء نصيب وفير من الجهد والوقت في المطبخ، تحضيرا لما لذ وطاب لمائدة الإفطار. تتبعها المسلسلات العربية والتركية بعد صلاة العشاء…
هي عادات اجتماعية طبيعية مألوفة عند أغلب الناس، وهي بالطبع أمور مباحة لا غبار عليها، لكن ما يجب الانتباه إليه هو أن المرء بهذه الطريقة الاعتيادية يوسع من دائرة المباحات فيضيق مباشرة على المندوبات والطاعات، عموما طوال السنة وخصوصا في شهر رمضان !

امتاز هذا الشهر العظيم بنزول القرآن فأصبح خير الشهور، وامتازت ليلة القدر بنزول جِبْرِيل عليه السلام بالوحي على أشرف الخلق فكانت خيرا من ألف شهر، فكيف بالعبد لا ينصهر مع القرآن طيلة هذا الشهر الكريم، قراءة أو حفظا أو تدبرا أو سماعا ؟ رمضان هو شهر العبادات والطاعات بامتياز، هو موسم الخيرات والحسنات لمن يقبل عليها. بالتالي، يتوجب على كل عاقل عدم التوسع في المباحات التي تستهلك وقتا ثمينا، والتركيز قدر المستطاع على العبادات التي ترقى بنفسه إلى رب السماوات والأرض.

مقالات مرتبطة

ما يميز الإنسان ويكرمه على باقي المخلوقات، أنه مكون من طين ونفخة إلاهية. جسم يميل إلى الأرض والشهوات، وروح تميل إلى السماء والعبادات. هو مزيج مَحط تكليف، يكمن أساسا في هذا التوازن الصعب.


فالملائكة تنتقل من طاعة إلى طاعة، بينما تنتقل البهائم من شهوة إلى شهوة، لكن الإنسان يتنقل بين طاعة وشهوة حلال، فإذا اتبع هواه منساقا من شهوة إلى أخرى، انجذب إلى الطين أكثر فيختل توازنه !
رمضان فرصة ذهبية لارتقاء النفس بالطاعات، حيث تضعف شهوة الجسم بالصيام عن شهوتي البطن والفرج، كما أن الجوارح تصوم أيضا عن المنكرات، فيبقى المجال فسيحا للروح كي ترقى بالطاعات والعبادات، وهكذا يبلغ المسلم مرتبة الصيام إيمانا واحتسابا، فيُغفر له ما تقدم من ذنبه.

صليت أول جمعة من رمضان في المسجد القريب من العمل-كما العادة-، وفور الانتهاء من الصلاة قام المأموم فنادى : الصلاة على الجنازة رحمكم الله، جنازة رجل ! هو رجل مسلم لم يدرك رمضان كاملا، لعله كان يدعو هو أيضا : اللهم بلغنا رمضان.
كم من مسلم لا يُقدّر نعمة إدراكه رمضان، فلا يغترف منه الحسنات المضاعفة والمتاحة له خلال هذا الشهر العظيم.
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِظْنِي وَأَوْجِزْ. فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعذر مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعِ الْيَأْسَ مِمَّا فِي أَيْدِي الناس» . رواه أحمد.
نحن لا ندر هل سندرك عيد الفطر أو رمضان المقبل، وبالقياس على هذا الحديث النبوي الشريف يمكننا أن نقول : فلنصم صيام مودع !

1xbet casino siteleri bahis siteleri