طقوس قلم

لا أعلم هل لابد لكل كاتب أن يبرر فعل كتابته؟ كأن الكتابة جريمة يعاقب عليها القانون (في وطننا ممكن، لكن لا يمكن لأي كاتب أن يوقف تلك الرغبة الجامحة في الكتاب، رغم أن الأكثرية تحاول أن تقمع هاته الرغبة التي تنبعث من وجدانهم، ربما لأن القمع الموجود حولنا تسرب الى عروقنا و تشرَّبَته أصابعنا.
أنا هنا لا أتكلم عمَّن يستخدم قلمه من أجل الرزق أو من يكتب و فقط لأنه تعلم الكتابة، بل بالعكس هناك من الكتاب ممن لم يكتبوا ولو سطرا واحدا ماعدا تلك السطور التي نخطها في رسالة أو طلب إداري، لا لشيء سوى لأنهم يعتقلون أصابعهم و ينفون أقلامهم و يمنعون عن أوراقهم الاتشاح بغير البياض، وذلك راجع للخوف الذي يُعشش في صدورنا والذي ربَّوه فينا، وعلمونا إياه في المدارس ولقنوه لنا في الشوارع , أصبحنا نخاف من كل شيء ومن لا شيء، ننسى الخوف فقط إذا ما تواجهنا فيما بيننا، إذا ما أردنا انتقاد أنفسنا و تدمير الناجحين منا .

الخوف الذي يسيطر على فعل الكتابة عندنا يزحف إلى القراءة، ربما ذلك لا يظهر من زاوية المثقف العابر، لكن باعتبار أن العلاقة بين الكتابة و القراءة كالعلاقة بين الدجاجة و البيضة أو الشجرة و الثمرة، حيث لابد لكل طرف منهما أن يهدم الآخر لكي يؤسس على رفاته كيانه الخاص، وبما أن الثمرة ملعونة في مجتمعاتنا انسحبت اللعنة أيضا الى الشجرة، فنادرا ما نُجد بيننا من يقرأ جيدا وبصدق، فحتى القِلَّة التي تحمل كتابا لا تحمله إلا من أجل لفت نظر الناس أحيانا و أحيانا أخرى تقليدا لمن سلبوا منا هويتنا ، أخص بالذكر هنا من يحملون الكتب في وسائل النقل العام أو في الحدائق و الساحات العمومية ولا يجعلهم ذلك أبطالا فدائيين ضد الجهل، ذلك لأن اعتقادي البسيط أن من يقرأ حقا وبصدق يجب أن يُرادف معه قضية ما و أن يحمل في قلبه هم وطن بأكمله، فالقراءة ليست حدثا فرديا مجردا و خاصا، بل هي طقس مجتمعي منه و فيه و إليه.
من هنا فأنا لا أتفهم أبدا أن يتجمد القارئ داخل كتابه، بل لابد لتلك الومضة التي يدَّعي أنه يتتبع منبعها في صفحات كتابه أن تظهر في مواقفه الحياتية، ففي المشهد الذي يحمل فيه المرأ كتابا و بجانبه يقعد الجهل مترنحا دون أن يستفزه نور ما يقرأه. يكون هنا الممثل قد خرج عن النص أو فقد الحوار.
الكتابة و القراءة إذا كانتا فعلا جماعيا بمعناهما الحقيقي الذي يحمل قضية، لا يمكن ان يؤديا إلا إلى نشر نهضة فكرية حقيقية، لذلك اقرؤوا و اكتبوا فمن يقرأ و لا يكتب كمن يأخذ و لا يعطي. حاولوا أن تخدشوا حياء أقلامكم و تنزعوا العذرية عن أوراقكم و احملوا قضية وطن لابد ان يتحرر.
1xbet casino siteleri bahis siteleri