عيد الأضحى بين العادة و استحضار المعاني

مع اقتراب عيد الأضحى, تكاد قصة إبراهيم و إسماعيل لا تفارق خيالك..

شهادة القرآن في حق إبراهيم عظيمة فهو خليل الرحمن ومع ذلك ابتلاه الله سبحانه في آخر عمره بعد أن قرت عينه بابن بعد سنين لم ينعم فيها بنعمة الذرية, ابتلاءات إبراهيم من قبل كانت عظيمة: أب يرفض دعوته, قوم متعصبون, بيئة لا تساعد على التقدم والتميز, تعذيب ونار, ثم حرمان من الذرية والابن السند لسنين, مع كل ذلك تمحص إيمانه ووصل بذلك لمكانة الخليل.

كان يعلم سبحانه مكانة إبراهيم وورعه وتقواه فلماذا ابتلاه بأمر الذبح بالذات؟ وبعد أن رزق بقرة عينه على كبر؟.

أتى أمر الله تعالى بالذبح بعدما رأى إبراهيم ابنه يترعرع شابا أمامه وبعدما صار له سندا ومعينا, أتى ذلك الأمر المزلزل وكأن الرسالة تقول : ألا تعلق بغير الله ينفع, وأن كل تعلق يبعدنا عن الله وينسينا حقيقة الدنيا يجب أن نراجع حساباتنا تجاهه, سواء كان هذا التعلق بمال أو جاه أو عمل أو زوج أو ابن أو غيرها الكثير مما نجعله محورا لحياتنا يصلح بها صلاحه او يفسد بها فساده, المعادلة لا يجب ان تكون كذلك..

في طريقه لتنفيذ أمر الله بذبح ابنه إسماعيل كان موعد إبراهيم مع الشيطان في مواطن ثلاثة, أماكن رمي الجمرات حاليا, تذكير لنا بأنه ثمة عدو للإنسانية جمعاء يجري فينا مجرى الدم ولنتمكن من المضي قدما يجب رجمه أو بالأحرى رجم الشيطان فينا. أن نرجم كل خلق سيئ أو تعود خاطئ أو ترسبات تعجيزية أو تعلق مبالغ فيه أو في غير محله ظل يثنينا عن بلوغ أهدافنا. في مواضع الجمرات الثلاث رمى إبراهيم الشيطان ليتجنب وسوسته، لكنه كان يرمي معه نفسه الأمارة بالسوء, كان يرمي ضعفه, وتردده, وتعلقه بالدنيا, وعجزه عن متابعة السير لما أمر به.

يستمر درس التعلق و كأنه سبحانه يأمرني ويأمرك بحزم أمرك في تعلقك- باسماعيلك- أيا كان تجليه في عمل أو منصب أو مكانة اجتماعية أو علاقات يمكن أن تقف حاجزا أمام تحقيقك لذاتك ولدورك كمستخلف في هذه الأرض فتتجنب التعلق بتفاهة بعض اهتماماتك, استسلامك السريع, مناعتك الضعيفة أمام ملمات الحياة, فهمك الخاطئ والسطحي الذي يستلزم علما وبحثا عن الحقائق لا استهلاكا غير واع من الغير, اختياراتك السطحية, طريقة تعاملك مع الأمور ومع الناس, خنوعك وتركك لحقك الذي تعزوه لخلق الحياء والايثار وليس ذلك إلا فهما خاطئا لمعنى الأخلاق فالمؤمن القوي أحب الى الله من المؤمن الضعيف..

مقالات مرتبطة

أنا وأبي

الضياع ..

رمى إبراهيم الشيطان سبعا في كل مرة كان يقف فيها عائقا أمام هدفه وكأنه لا يكفي أن نرمي لمرة واحدة, و كأنه لا يكفي أن نرمي لمرة واحدة بحصاة كبيرة, بل بشكل متدرج ولمدة ثلاثة أيام – أيام التروية بعد طواف الافاضة- تذكير لنا بأنه لا تغيير إلا معه تدرج و هذه سنة كونية.

رمى الشيطان ثم لم يتوان عن تنفيذ الأمر الإلهي وبعد أن حقق الاستسلام الكلي من كل قدرة شخصية أو كونية عندئذ فقط, عندما استسلم وهم, جاءته البشرى  وجاءه البديل من حيث لم يحتسب.

فكيف بعد أن نربط بين العيد وبين كل تلك المعاني, لا تدوم فرحتنا بالعيد إلا لأيام معدودات ولماذا أصبح العيد -عيد الأضحى-مقترنا بأكل وشرب ومنافسة في شراء أجود الأضاحي مفاخرة بين الناس وحزنا لغير المستطيع، بل وربما يمضي مملا عند البعض الآخر، الأحوال مختلفة وكلها يفيد أن مفهومنا تجاه العيد لم نُلَقّنه جيدا كما لم نُلَقّن سلسلة طويلة من الدروس بشكل جيد.

الأصل في العيد قربة لله عز وجل، الأصل في العيد مشاركة وزكاة لنتعلم أن هذا الأمر يجب أن يُغرس فينا بعد العيد لتدوم فرحة المحتاج وتدوم فرحة المتصدق فتدوم بالتالي فرحة العيد وتمتد إلى كل عمل خير وعطاء. الأصل في العيد استحضار لقصة أبينا إبراهيم ونجاحه في الابتلاء وارتقاءه بالابتلاء وتعلمه حقيقة الحياة بالابتلاء فنتعلم أن تتغير نظرتنا للابتلاء من نظرة شؤم وحزن وكسر لنظرة تصحبنا لما وراءه من سَبر لحكمه وفهم لحقيقته وإظهار لأمور فينا لم تكن لتبلو وتظهر لولاه.

الأصل في العيد تشخيص إسماعيل داخل كل منا والذي يمكن ان يتجسد في شخص او مكانة او هدف او ملكية فنتعلم أن نتحرر منها شيئا فشيئا حتى لا توجهنا على هواها.

الأصل في العيد تكبير مستمر وتنبيه لنا ولمن حولنا بأن هناك قوة أكبر وأوسع وأقدر من كل شيء، أن هناك من يستند إليه عند الشدة من يُستغفر فيغفر ومن يُستعطى فيعطي ومن يُسترزق فيرزق ومن يُتوكل عليه فيكون نعم النصير والوكيل فلا تمجيد لغيره  ولا خوف من غيره ولا تذلل لغيره مهما كان الوضع، ثم لتمض بسند من الكبير.

الأصل في العيد صلة رحم انقطعت رغم قرب المسافات، صلة رحم قُطعت وقطعت معها الرحمة والألفة وازدادت انعزالية الأفراد واستقلاليتهم السلبية عن بعضهم، الأصل في العيد غرس لفكرة سيادة الانسان في الأرض حيث أنه سخر له مخلوق آخر تحت تصرفه لذبحه ترسيخا لفكرة الأمانة التي يحملها على عاتقة كخليفة وسيد على المخلوقات وكل لقب هو مقترن بمسؤولية والمسؤولية هنا عظيمة و جزاء التقصير فيها عظيم بعظم قدرها.

الأصل في العيد فرحة تمتد بالتحرر من الأغلال و بعطاء مستمر مالا و حبا للآخر و بتقرب لله بأسمى ما نملك، فرحة العيد لا تنقضي بغروب شمس يوم العيد…

1xbet casino siteleri bahis siteleri