امتحان التوظيف… وماذا بعد؟

عدت بذاكرتي لأستحضر الأجواء التي رافقت اجتياز امتحان التوظيف كممرض مجاز من الدولة من الدرجة الأولى، من دعوات الوالدين والأحباب اليومية مرورا بمزيج المشاعر والترقب والتوتر المرافق لتلك الأيام الهتشكوكية التي قضيتها في التحضير والبحث عن مراجع الدروس وأنصاف المعلومات هنا وهناك ومواكبة المستجدات والتحديات إن وجدت، إلى حين إعلان نتيجة الامتحان.

كم هي مفصلية هذه المرحلة في تحديد المصير المهني وتحقيق الأحلام الشخصية وجني ثمار الجهد الذي بذل، هي المرحلة التي يطوى بها ما كان ويرسم بها ملامح ماسيكون عليه ممرض الغد.

أتذكر جيدا تفاصيل التحضير وما يتبعها من توتر، وتشَوّش مستمر وتعب في الوقت بدل الضائع، وكيف يمكن لمعلومة غابت عنك، أو لسؤال مررت عليه مرور الكرام أن يخلق الفرق خلال هذا الامتحان المحوري ويغير سلم الصعود والنزول ومجرى حياتك بالكامل.

أتذكر كيف قضينا عاما كاملا في ثلاجة الانتظار إلى حين صدور بيان امتحان التوظيف، الذي يخول لنا اجتياز حائط البطالة والالتحاق بدرب المسار المهني.

في المرحلة التي اجتزت فيها هذا الامتحان لم تكن المعلومة متاحة ولا مراجع التخصص محددة للاعتماد عليها؛ حيث تجد نفسك تشير يمنة ويسرة في جو تطبعه المعلومات المتناثرة والمتنافرة ومحدودية التكوين والتعليم بالمعاهد. على الجهة الأخرى وفي الجزء الثاني من امتحان التوظيف المرتبط بالصحة العامة تجدنا في تلك الفترة أصبحنا ناطقين باسم وزارة الصحة؛إذ تنضاف معطيات وسلالم النظام الوطني الصحي وآخر أرقام ومستجدات الوزارة وخريطة الوضع الصحي إلى كتبان رمال المراجعة الهشة.

تمر هاته الأجواء، ويبقى النجاح هو المبتغى وعدم التوفيق ليس نهاية الأمر بل أمر قدر، والترتيب المحصل عليه هو الفيصل الأخير في اختيار منطقة التعيين ووجهة العمل. هنا وفي حصة التعيين كل يختار بناء على ماهو متاح من جدولة مناطق التعيين انطلاقا من آراء سابقة، أو قناعات شخصية، أو اختيارات عائلية تتبعها دعوات بمنصب جيد، كل هذا ينطوي في قالب ما سيعيشه كل واحد في حياته العملية ومستقبله المهني.

أجزم أن كل واحد منا واجهته وتواجهه صعوبات وتحديات منذ الالتحاق بالمسار المهني إلى انتهاء السيرورة، لكن للبداية طابعها الخاص، حيث تتشابك الخيوط والصور، وتلتف الأفكار والقرارات، وتدور عجلة الزمان لتجد نفسك مسؤولا في قلب المنظومة الصحية إما على رأس مركز صحي قروي، أو مستوصف أو جزء من طاقم تمريضي بالمستشفى في خدمة الإنسان، والمساهمة في التوعية والتنوير في المجال الصحي، يسهل كل هذا الأمر عندما تتسم بالنضج الكافي لما تريد أن تكون عليه مستقبلا وما أنت بصدد تقديمه من خدمات وما تريد أن تضيفه، يسهل ذلك من خلال قدرتك على تعلم أسرار الحياة وتطبيقها في مجال التخصص، وتعلم مهارات الحياة لأنها من تصنع النجاح في ميدان التخصص، أضف إلى ذلك قدرة التأقلم مع المتغيرات وقوة الصبر لتخطي العقبات، ومرافقة مجموعة من الزملاء الملهمين الذين يخففون عنك وعورة طريق التمريض الطويل.

بعد إمعان النظر جيدا في مسار البداية، وتتبع مسارات الزملاء السابقين في ميدان التمريض، وقفت على حقائق لعلها توضح بالملموس ماذا يعني أن تكون ممرضا؟

أن تختار كممرض العمل مع الدولة طواعية مع بُعد التعيينات، ومشقة الطريق، وصعوبة الاستقرار، والتشرد العائلي والأسري من أجل عيون المرضى أينما كان موقعهم في خريطة المغرب، وذلك عن اختيار وعن قناعة وليس بالإجبار أو شيء من هذا القبيل.

أن تبتعد عن كل ماشكّل معالم وتضاريس حياتك من قبل لتواجه عالما مختلفا في مدينة أو قرية غريبة، وتبدأ من الصفر وتشتري العتاد والمتاع من جديد في سبيل سد الخصاص في الأطر الصحية في مناطق لم تسمع بها ربما من قبل.

أن تقبل وأنت تخوض مغامرة البداية احتمال النفي في المناطق النائية ومايعنيه ذلك من صعوبات جمة، لاسيما للذين يسعون لتكوين أسرة ومن ثم الاستقرار العائلي والزواج.

أن تمضي حيزا وجزءاً من حياتك تصول وتجول بين مدينتك الأم ومنطقة التعيين، مسافرا عبر مسالك وعرة وخطيرة في كل فصول السنة وكل الظروف المناخية أسوة بإخوانك من الجنود والأساتذة والأطباء، الأبطال المنسيون في هذا الوطن، مثل هؤلاء ترفع لهم القبعة.

أن تتركي أطفالك وراءك مع أمك أو أبيهم إذا كنت متزوجة، بعيدا عنك بمئات الكيلومترات لكي ترعي وتجعلي صحة أبناء الآخرين أولوية.

تالله إنها لتضحية جسيمة، تنضاف إلى مسلسل التضحيات الطويل، لكن إحداث فرق في حياة المرضى ومساعدة المعوزين والساكنة من بني جلدتك(وأنا أعني نفسي هنا) يذيب هاته الصعاب، ومايزيد الأمر تيسيرا تلك العبارات العفوية التي تخرج من قبيل “الله يرحم الوالدين” و”الله يخرٌج سربيسك على خير” و”الله يكوٌن منٌك” من حليمة والضاوية والمختار.

1xbet casino siteleri bahis siteleri