التعليم بقوة الحب.

يبدو الكلام عن التعليم بقوة الحب كما لو أنه كلام مثالي لا سبيل لتجسيده في الواقع، إنه يشبه الكلام الذي نسمعه في الأفلام الأجنبية ودورات التدريب الذاتية أو مسلسلات الأنيمي.
قد يعتقد القارىء أننا بصدد الترويج لأفكار مثالية لا سبيل لتطبيقها، لكن نظرة واحدة للوراء، للماضي البعيد جدا ستجعلك تعرف إن كانت قوة الحب كافية لصنع فارق في مهمة المعلم أم لا.
لا شك أننا جميعا مررنا على أصناف متعددة من المعلمين، بنظرة سريعة أو متأنية للماضي ستستقر أمام أعيننا صورة أولئك الذين أثروا في حياتنا سلبا أو إيجابا…جميعنا يتذكر ذلك الأستاذ الذي لم نكن نجرؤ على التململ في حصته، ونتذكر الآخر الذي كانت تمر حصته كأنها دهر من الزمن، والأخرى التي كان القسم في حضرتها يتحول إلى ساحة ألعاب أو الأخرى التي كنا نحب حصتها لأنها تنقلنا إلى عالم آخر.
بتأمل بسيط ستدرك أنه يمكنك أن تكون صورة من واحد من هؤلاء، أو منهم جميعا أو يمكنك أن تشكل صورتك الخاصة وفلسفتك المتفردة.

لكن عندما تتأمل الشخص الذي صرته ستجده نتاج كل هؤلاء ونتاج تربية والديك والمجتمع الذي نشأت فيه، لكن بشكل ما ستدرك أنك صرت ما أنت عليه بتفاعلك مع هؤلاء جميعا وبتفاعلك تحديدا مع معلميك على اختلافهم.
لكن الفرق الحقيقي يصنعه بداخلك أولئك الذين أدركوا ماهيتك وتفهموا اختلافك وغمروك بعاطفة مختلفة تحمل في طياتها حنو الأب وصرامته في ذات الآن وحنان الأم وحزمها في نفس الوقت، إننا غالبا لا نتفاعل ايجابيا إلا مع أولئك الذين نحمل لهم حبا أو ودا من نوع خاص، بينما نصبح عبارة عن أشخاص تحركهم ردود فعل لا شعورية بمجرد أن نحس أن الآخر لا يكن لنا أي نوع من المودة وأن حصته هي أشبه بسجن مؤقت يحرمك من الحركة والكلام وأحيانا من التفكير.

مقالات مرتبطة

الحب قد يجعل مراهقا متمردا شخصا لينا منصتا وقد يجعل فتاة عصبية تتجاوب بشغف لما يدور في الحصة، الأمر لا يتطلب عصا سحرية لكنه أقرب لكونه معجزة إنسانية قد لا تحمل في طياتها تبريرا منطقيا عقلانيا، قد يعني الحب في مهنة التعليم دقائق معدودة من الإنصات تخبر ذلك الطفل المنبوذ العدواني أن اطمئن فهناك من يهتم بأمرك، قد يعني ضمة صادقة لروح متعبة فقدت الإيمان بالعاطفة، لكنك جعلتها تجدد إيمانها بها، قد يعني لحظة مصارحة يخبرك فيها ذلك المراهق بكم المشاكل التي يواجهها والتي لا يريد أحد أن يعرف عنها شيئا، لكنك استمعت له وجعلته يتخلص من عبئه حتى دون أن يطلب، قد يعني لحظة أصررت أن تتعرف على حلم ذلك الطفل الذي يجلس في آخر الصف والذي اعتقد دوما أن لا أحد يهتم له، لكنك فعلت وجعلته يمتلك الشجاعة ليحدثك عن حلمه وللغرابة لم تضحك منه كما توقع وتعود من غيرك.

التعليم بالحب قد يتطلب منك أن تتعالى عن الأنا التي تسكنك وان تترك مسافة بينك وبين الأحداث فربما ساعتها ستتجلى لك الحقائق واضحة، فصراخ طفل لا يدل بالضرورة على قلة احترام ونظرات تلك الفتاة لا تعني بالضرورة أنها محاولة للتحدي وعدم قيام أحدهم بواجباته لا تدل بالضرورة أنه مستهتر وغير مهتم، الأمر قد يكون فقط محاولة لإثبات الذات بطريقة خاطئة أو أسلوبا للتمرد والإعلان عن الاختلاف بعيدا أيما بعد عن كل تلك الاستنتاجات التي نقوم بها كتربويين ومعلمين بطريقة تلقائية لا تسبقها نظرة موضوعية للأمور.
قد يعني التعليم بالحب أشياء كثيرة قد لا تحسن فعلها دوما، لكنك تتحرى الصدق فيها، كلمة تشجيع لتلميذ صنفه الجميع كسولا، تربيث على كتف تلميذة تتلعثم كلما أخذت الكلمة، إنصات لاجابة قد تبدو تافهة غير منطقية لكن قولك لصاحبها أعد المحاولة قد اقتربت من الجواب عوض أن تخبره أن إجابته خاطئة لأنه لا يركز، قد تعني أشياء بسيطة جدا، لكنها تترك أثرا عميقا في نفس متعلم جاء يبحث في المدرسة عن شيء ربما افتقده في بيت أهله أو ربما رأى في ذلك المعلم طوق نجاة نحو ضفة أخرى مختلفة عن الضفة التي يستوطنها، قد لا يطلب منك أكثر من أن تكون ذلك الجسر الذي يوصله إلى بر الأمان بدلا من أن تكون جرحا يحمله معه على مر الأعوام.

1xbet casino siteleri bahis siteleri