الكتابة فن لا يجيده إلا البارعون

تعد الكتابة من أرقى الفنون وأسماها أناقة وتفتحا، شأنها شأن الرسم أو الموسيقى؛ بلغها الإنسان للتعبير عما يخالج نفسه من مشاعر وأحاسيس مرهفة، ويعتبر الكاتب نتاجا للمجتمع أو بيئته التي عاش وترعرع فيها، يؤثر فيها وتؤثر عليه، يعيش كل يوم مع أفرادها يحكي عن وقائعهم وتجاربهم اليومية، فينقل كل ذلك في قالب إبداعي رائع محكم بتفاصيل فريدة من نوعها تجذب القارئ أو المتلقي إليه.

أن تمارس مهنة الكتابة يعني أن تموت مع كل نص يولد.. “تعانق الطين الأبيض ورائحة التوت البري.. كما يقال”. الكتابة أيضا ذلك المرتع الخصب لكل الأدباء والكتاب؛ إذ يستقون منه القصص والحكايات لتكون مضامين لأعمال إبداعية أخرى، روائية كانت أو مسرحية، أحصر على سبيل المثال رواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ، تميزت برموز ودلالات حيث سلطت نوعا ما الضوء على المجتمع المصري الذي سادت فيه في فترة مظاهر الخيانة، والغدر والانتقام.. ولم تسلم رواية “تزممارت” هي الأخرى لأحمد المرزوقي من معادلة التعبير عن الواقع المرير والمعاش في سجن من سجون المغرب. فترة أليمة مر بها الكاتب أيضا؛ حيث عاش هو الآخر كما أصدقائه فصولا من المعاناة والتعذيب بشتى أنواعه وأشكاله.كل هذه الأعمال اجتمعت داخل بؤرة المجتمع مشكلة بذلك مجموعة من الأفكار المعاشة والمريرة بعض الأحيان.

إن الكتابة تسكن الكاتب، فتصبح وجوده الذي يتحرك، وكيانه الذي يتماهى، فيغدو الكاتب مفتونا بالكتابة مهووسا بها. وحينما يعمد إلى الكتابة فإنه يجد متعة ولذة منقطعتي النظير، لا يحس بهما غيره، وذلك لأن ما يكتبه ليس شيئا منفصلا عن ذاته وكيانه، بل إن ما يكتبه متصل بذاته الإنسانية، وبعواطفه، وبمشاعره وأحاسيسه، بمعنى أن الكتابة تشكل بالنسبة للكاتب الكل في الكل، فهي ليست فقط وسيلته لمحاكاة الواقع والأحاسيس، ولكنها أيضا غايته المنشودة وهدفه الأسمى. ومن ثمة فهناك قوة دفينة ومحرك لا مرئي يدفع الكاتب نحو بحر الكتابة، ألا وهو الشغف، والحب والهوس بالكتابة.

إن الكاتب وهو يكتب، يضع نصب أعينه عنصري الإبداع والتشويق، ذلك أن العمل المكتوب لا يمكن أن ينال خطوة لدى القارئ إن لم تتوفر فيه شروط التفنن والإبداع كعنصر الجمالية والفكرة الهادفة من النص، والتي يعرضها في يسر وسهولة ككل نص، فهي أساسه الذي لا يستقيم إلا به.
فضلا عن هذه الخاصية التي تضفي طابع الإبداع على أعمال الكاتب، هناك العاطفة، حيث يقوم الكاتب باللعب نوعا ما على وجدان القارئ أو السامع إذ ينتقي الصور المؤلمة ويجسدها بمعالم الانفعال؛ يزيد في تضخيم المسألة الصغيرة ويصغر الأمر العظيم.. كل هذه العناصر تتحد لتنسج لنا خيوط الإبداع والجمال.

الكاتبة كما أسلفت الذكر فن لا يجيده إلا البارعون.. شغف الكبار والصغار.. البارعون منهم والمبتدئون فماذا يستحقون؟ يستحقون كل شيء!

1xbet casino siteleri bahis siteleri