ولكني أخشى كلام الناس!

أتذكر السنة الماضية عندما كنت أتجول بحديقة عمومية في المدينة الفرنسية ليموج، وإذ برجل مغربي يستغيث بي ويطلب مني مساعدته في البحث عن مكان يقضي فيه الليلة؛ لأن زوجته فرنسية الجنسية ومغربية الأصل قد طردته من البيت وأخذت منه هاتفه وبطاقته البنكية حتى لا يتمكن من الاستغاثة بأحد أو تأجير غرفة في فندق ما، وذلك فقط لجعله يخضع لمطالبها.
قلت له: حاول أن تحل المشكلة معها بهدوء فالغضب لا يجدي نفعا في هاته المواقف، فرد قائلا: لقد جربت معها جميع الطرق والوسائل لكن دون جدوى، لقد سئمت من هاته العيشة المليئة بالذل والإهانة والنكد كل الوقت، لقد كنت أشتغل بالمغرب كسائق شاحنة و كان راتبي يقارب ثمانية ألف درهم، ولكني انجرفت خلف حب لم أجلب منه سوى الذل والعذاب. و أنهى كلامه قائلا: أريد أن أطلقها وأرجع إلى بلدي… ولكن إن رجعت هكذا بدون بطاقة إقامة فرنسية، ماذا سيقول عني الناس؟
نعم إنه سؤال نردده كل يوم في حياتنا، كل ساعة وكل ثانية، لقد أصبح كل شيء في حياتنا مرتبط بآراء الناس، أصبحنا لا نعيش مملكة أنفسنا، لا نعيش كما نريد نحن أن نعيش فقط خشية هذا السؤال، أصبحنا لا نرى زهرة الحياة الدنيا خوفا مما سيقول عنا الناس.
فكم من مغترب عاش مقهورا مذلولا، أضاع نصف عمره في بلاد المهجر ولم يستطع الرجوع إلى بلده فقط لكي لا يتحدث الناس عن فشله في عدم الحصول على الإقامة في ذلك البلد.
كم من امرأة تعيش جحيما لا يطاق مع زوج يعنفها، لا يبالي بمشاعرها، و يمكن أن يعذبها ولا تستطيع طلب الطلاق فقط لكي لا يقال عنها مطلقة لأنها بالنسبة للناس تحمل وصمة عار عليها وعلى عائلتها.
لقد أصبح بعض الشباب يقومون بأعمال محرمة كالاتجار في المخدرات أو أعمال أخرى غير شريفة فقط لكي لا يقال عنهم عاطلون وفاشلون ولا يصلحون لشيء.

مقالات مرتبطة


و كم من فتاة تتزوج وترضى بكل من هب ودب وطرق بيتها من دون معرفة أخلاقه وحياته وشخصيته، فقط لكي لا تصنف في لائحة غير المتزوجات أو “العوانس” التي لم تذكر ككلمة تصف النساء في أي كتاب مقدس.
وتجد امرأة متزوجة ولو كانت حديثة الزواج تستعين بالدجالين والسحرة من أجل الإنجاب لكي لا يقال عنها عقيم أو عاقر.
وتجد هذا يأخذ قرضا كبيرا من البنك من أجل شراء سيارة فاخرة حتى لو كلفه رد هذا القرض العمر كله، وهذه تكلف نفسها وعائلتها من أجل إقامة عرس ألف ليلة وليلة، كل هذا لتحظى بإعجاب الناس.
ويمكن لفتاة أن تنحرف في طريق اتخاذ الأخدان والمصاحبة لكي لا تنعت من طرف صديقاتها أو بالأحرى عدواتها بالمعقدة.
نعم لقد أصبحنا نختار ملابسنا، وسيارتنا، وهواتفنا، وعطورنا، وبيوتنا وأثاثها فقط من أجل الناس ومن أجل سماع مدحهم ورؤية تعجبهم.
فمتى سنتحرر من العبودية اللامباشرة لآراء الناس؟ ومتى سنشفى من فوبيا إرضاء الناس؟
ستستطيع التحرر من قيود كلام الناس حين تعيش مملكة نفسك، حين تشعر بالراحة فيما اخترته أنت، لا التكلف وثقل الكاهل.
نعم سوف تتحرر حين تعيش استقلاليتك من أجلك أنت أولا، عش كما أحببت أنت، اختر زوجتك كما أردت أنت لا كما أرادت أمك، أو أختك أو عمتك..
اشتر لنفسك ما راق لك من متاع الدنيا ولو كان رخيصا، أو مستعملا، لا تهتم لما سيقال عنك.
تكلم بما تحب أنت، لا تتصنع لتعجب الآخرين، لا تكلف نفسك لترضي الناس، فرب العباد لم يسلم من ألسنتهم فمن أنت حتى تسلم منها؟
الحياة تمشي ولا تتوقف، فإن أنت عشت فيها فقط لإرضاء الناس، سيأتي يوم تكتشف فيه أن حياتك ذهبت في إرضاء الناس وعدم إرضاء نفسك التي لك عليها حق، ستجد نفسك دمية حركت بألسنة الناس لإرضاء آرائهم.
قم ببناء شخصيتك، عش كما أحببت أنت، كن أنت ولا تبالِ بما سيقوله الناس عنك، ولا تعش أسير كلامهم فهو لا يغني ولا يسمن من جوع.

1xbet casino siteleri bahis siteleri