كنت تلك التلميذة النجيبة كما يقولون…دائما ما أحصل على إحدى الرتب الثلاث في القسم…اجتهادي وتفوقي الدراسي جعلاني أحلم بالكثير منذ الصغر. 

في السنة الثانية باكالوريا، وبما أنني حصلت على معدل جيد في المراقبة المستمرة ونقطة لا بأس بها في الامتحان الجهوي، كان هدفي هو ولوج الأقسام التحضيرية وبعدها ستفتح لي أبواب المدارس العليا، خاصة المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، الشيء الذي كنت أحلم به منذ تغيير مساري الدراسي إلى شعبة الاقتصاد…بيد أن هذا لم يتحقق.

يوم اجتياز الامتحان الوطني ولظروف خاصة مررت بها، أصابني الهلع، كانت أول مادة أجتازها هي الرياضيات، لازلت أتذكر أن الامتحان كان سهلا جدا لكنني لم أستطع كتابة أي شيء، حدثني أستاذ الحراسة أن أكتب أي شيء لتجنب نقطة الصفر، وهذا ما كان، كتبت مجموعة تعريف لا أدري إن كانت صحيحة أم لا.
انتهت الامتحانات وحان وقت النتائج، أنا التي كانت تحلم دائما بحصولها على باكالوريا بميزة جيدة، حصلت عليه بميزة مقبول، نجحت بمعدل عشرة من دون فاصلة، وكانت صدمة للجميع، بالأخص أساتذتي.
حصلت على 0.5 في مادة الرياضيات، و3.5 في مادة المحاسبة و9 في مادة التسيير..
وبما أن المثل يقول: “في الامتحان يعز المرء أو يهان” فلكم أن تتخيلوا ما وقع لي.

نصحني أغلب الناس وأقربهم إلي أن أغير الشعبة إلى الأدب العربي أو التاريخ، لأن مستواي لا يسمح بإتمام الدراسة في نفس المجال، وهذا ما كان.. لازلت أتذكر اليوم الذي ذهبت فيه للتسجيل، كان أول أيام رمضان، وكانت كلية الآداب قد أغلقت أبواب التسجيل وكذلك القانون، وكان آخر يوم في الاقتصاد…يالها من صدفة!! قدّر الله أن أتمم دراستي في نفس الشعبة..
أخبرني الجميع أني لن أستطيع تجاوز السنة بنجاح، وأن مستواي ليس جيدا، عدا أمي التي شجعتني، لن أكذب وأقول: إنني كنت متفوقة فقط هكذا، لا، كلام الأغلبية جعلني آخذ تحديا لأثبت ذاتي وقدراتي لهم.
كنت أعود بعد كل حصة أعيد كتابة المحاضرة، وأبحث عن مراجع، وأطرح أسئلة، كنت أستاذة لنفسي.
يوم ظهرت النتائج، تجلَّت فرحتي بنجاحي في الدورة الأولى بمعدل عال، تلك الفرحة لم تكن عادية أبدا، أثبتت فيها أنني أستطيع، وأن نتائج الامتحانات لا علاقة لها بمستوى وذكاء التلميذ.

وهكذا توالت السنوات، وحصلت على إجازة بمعدل 19.75، كأول معدل ورتبة في المملكة.
وإذا بي أجد نفسي أجتاز عدة مباريات لولوج أكبر المعاهد بالمغرب، من بينها المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE.
قبلت في المعهد الذي حلمت به، وأتممت دراستي بأعرق جامعة فرنسية، وحصلت على الدكتوراه، وها أنا اليوم أستاذة ومعيدة جامعية في الاقتصاد، اشتغلت مع أساتذتي، ودرّست بجامعة درست فيها، وكان هذا فخر لي.
عدت إلى مدرجات الجامعة كطالبة، ودرست دراسة الشغف كما نقول، اخترت الأدب العربي لحبي الشديد للغة العربية والرغبة في الاطلاع على خبايا الأدب العربي من شعر، ورواية، وأدب قصصي ونقد.
قبلت في ماستر “الصحافة والتواصل”، وكذلك أدرس السنة الأولى من سلك الدراسات الإسلامية.

لا تفقدوا الأمل أبدا، ولا تستمعوا إلى أشخاص يحقرون مستواكم، ويدمرونكم، وخذوا كلامهم محافظ، لتثبثوا ذواتكم، فكل شيء ممكن، إذ عندما يغلق باب تفتح أبواب كثيرة، استغلوها، لأن النقطة لم توضع يوما لتحدد مستوى الشخص.
وكما أقول دائما: اجعلوا ثقتكم في الله عالية، وفي أنفسكم كذلك، وأخيرا {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.