متى تستعجل ؟

تعلمنا ونحن شباب من أساتذتنا ومن مشايخنا أن الأناة والتأني وعدم الاستعجال خير في كل الأمور ، يجب ألا نستعجل ، يجب أن نتأنى إلا في الأمور المتعلقة بالآخرة ، فلابد أن يستعجل الإنسان فيها ، وهذا صحيح ، هذا هو المعنى الأساسي، وهناك أحاديث كثيرة تبدأ ب”بادروا “، بادروا تعني اسبقوا ، بادروا تعني تسابقوا معها واسبقوها ، ولما خضتُ في فترة المرض الشديد وراجعت نفسي قلت “آه يا ليتني بادرت” ، الحديث الشريف “بادروا” يشير إلى أن الإنسان لابد أن يبادر قبل أن تأتيه أحوال لا يستطيع فيها أن ينتج ويعطي، فتصبح العبادة صعبة بالنسبة إليه، بادروا يعني ماذا تنتظر؟ هل تنتظر فقرا ينسيك؟ أحيانا الفقر الشديد جدا  يجعل الإنسان مهموما ومشغولا بالرزق حتى يمكن أن ينسى ذكر الله عز وجل من شدة هذا الهم ، أو غنى طاغيا يشغلك أيضا، فالمفروض أن المال الكثير يشتغل على صاحبه  ليتفرغ هو لما يحب ، لكن أكثر أصحاب المال يريد مزيدا من الأموال ولا يدرك متى يجب عليه أن يتوقف ويعي، فالمال الكثير الذي يجعل الإنسان يظلم ويطغى ، ماذا تنتظر ؟ الحديث يشير إلى “أو مرضا مفسدا”، في فترة المرض التي مررت بها، تأملت في هذا المرض المفسد الذي أصابني فجأة من غير حساب، كان يفترض أن تكون العملية بسيطة تستغرق أسبوعا أو أقل في المستشفى وأسبوع نقاهة و انتهينا ، فحدث خطأ طبي ولم تغلق الأمعاء بشكل سليم فانتشرت العصارة والجراثيم في البطن، وبدل خمسة أيام صارت خمسة شهور، و عطلتني وعطلت إنتاجي، بل حتى العبادة صارت صعبة جدا، وفي كثير من الأحيان كنت أصلي على السرير، وأحيانا كان يغمى علي وأنا في الصلاة فأفقد الانتباه وأعيد الصلاة من جديد، “مرضا مفسدا” ، أفسد إنتاج الإنسان، أفسد حياة الإنسان، أو هرما يعني الذي يجعل الإنسان عجوزا ثقيلا لا يستطيع أن يتحرك مثل المريض، أو موتا مجهزا ، موتا ينهي الإنسان .

مقالات مرتبطة

كنت أتمنى لو كان هذا الحديث يٌدرّس لشبابنا ، كنت أتمنى لو كنت طبقته أكثر ،كنت أتمنى لو عشته أكثر ، كنت أتمنى لو أني في حصاد عمري عشت هذه المعاني في العبادة وفي الطاعات، والتوازن أكثر في الحياة ، حتى الإنجاز وحتى العطاء كان يفترض أن أعطيه وزنا ليس على حساب العبادة وعلى وقتي مع أهلي و أولادي أكثر ، بادروا واستعجلوا ، متى تستعجلون؟ استعجلوا في التوبة لله عز وجل، لا يدري الإنسان متى ينتهي.. تنتهي حياته، واستعجلوا في الطاعات، وابذلوا فيها الجهد لأن الإنسان لا يدري متى يعجز عن هذه الطاعات، وبادروا واستعجلوا في بناء علاقات أعمق مع أحبابكم، مع أهلكم، مع من فعلا هو غال عليكم، لا تدرون متى تعجزون عن هذه العلاقة، بادروا بالإنفاق، فالإنسان إذا مات وله أموال  صارت ملكا لورثته ولم تعد أمواله، بادروا استعجلوا، فالاستعجال مطلوب في كل هذه الأمور، والحياة الروتينية والسريعة التي نعيشها اليوم أتمنى أن نعيد النظر فيها قبل أن يفوت حصاد العمر ونتمنى لو عدنا وبادرنا واستعجلنا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمد في أعمارنا حتى نعوض ما فاتنا ونبادر من جديد.

(من سلسلة ” حصاد العمر”) / طارق السويدان
تفريغ :
أنيس بعو

1xbet casino siteleri bahis siteleri