لا تدع الآخرين يوجهون طريقك!

589

بطبيعتنا نحب تقديم النصيحة للآخرين.. نحب أن نوجههم أين يذهبون وأين يلعبون وكيف يعيشون حياتهم.. نود أن نقدم الأوامر ونفرض اختياراتنا ونقنعهم أن تلك الاختيارات هي الصائبة، سواء كان ما نختاره لهم صحيحا أو خاطئا، فنادرا ما نهتم لذلك. ينصح الآباء أبنائهم بشكل مستمر، والمدرسون يوجهون تلاميذهم أين ينظرون وماذا يرون وأين يدرسون.. هذا جميل! لكن مع ذلك أعتقد شخصيا أن علينا اجتناب إخبار الآخر أن الطريق الثاني أفضل.

علمني ‘باولو كويهلو’ أحد الروائيين الأكثر مبيعا اليوم أن على المرء اتخاد قراراته الخاصة وحده، ولا ينتظر من الآخر أن يملي عليه ما يفعله في حياته، قال ذات مرة بأسلوب واضح ومقنع :”لا تدع الآخرين يوجهونك قائلين : هذا الطريق أفضل أو هذا الطريق أسهل’.”

هنا لابد لي من التأكيد على أن الله مد مخلوقاته بالقوة لنعيش حياتنا بالطريقة التي نحبها ونختار ما نعتقد أنه الأفضل لنا، أن نسعى ونتبع المسار الذي يقودنا إلى أهدافنا. أرى أنه إذا اتبعنا ما يمليه علينا الآخرون سنتوه ونضل الطريق وعندها سنتأخر عن ركب طموحاتنا. فالاستجابة لخيارات الآخر وتجاهل خياراتنا لا تخدم مصالحنا  بشكل جيد، والأدهى من ذلك أن عادة عيش حياة الآخرين بدل حياتنا تلحق بنا الضرر الأكبر.

مقالات مرتبطة

عندما كنت في زاكورة، مكان عملي القديم، تمنيت متابعة دراستي للحصول على شواهد أكثر، حينها كان لدي ساعات قليلة للعمل مما يعني أن تحقيق طموحي لم يكن بالأمر العسير، لكن بحكم معرفتي لبعض زملائي المعلمين المتمرسين في المنطقة أقنعوني  أن أتخلى مؤقتا عن بعض طموحاتي. و كانت نصيحتهم كالآتي :”حاولنا جميعا متابعة دراستنا لكن المسافة بين زاكورة وأكادير لا تزال بعيدة، من الأفضل لك أن تقرأ بشراسة إلى أن تنتقل لمكان أقرب، حينها يمكنك تحقيق هدفك بسهولة”.
ربطت ببراءة تجربتهم بالحكمة معتقدا أنهم يفقهون أكثر مني. وكنت مقتنعا فعلا بما قالوه لي، لم أتمم دراستي حتى انتقلت إلى سيدي إفني مكان عملي الجديد.

الآن يؤسفني السير على الطريق الذي رسمه لي الآخرون، ندمت ببساطة لأن غيري ممن ينحدرون من مناطق أبعد مني حصلوا على شواهد دون العراقيل الكثيرة التي كنت أخالها، ندمت لأني كنت أستطيع تحقيق حلمي لو اتخدت قراراتي الخاصة ولم أظن أن الآخرون على دراية أوسع مني..

في الواقع أنا الأدرى بالأصلح لي، كان خطئي آنداك أني لم أستخدم الهبة الربانية التي رزقت (اتخاد قراراتي الخاصة)، لا زلت نادما إلى الآن، لأني لو لم ألتق بهم لدخلت غمار المغامرة التي خاضها أبناء المناطق النائية و لازالوا يفعلون.

أحيانا أسأل نفسي: “لماذا يجب أن افضل خيارات الآخرين وأتجاهل خياراتي الخاصة؟ لماذا أظن أن الطريق الذي يفضله الآخر أحسن من طريقي أنا؟ “.
في الحقيقة نحن كائنات ميالة إلى التبخيس من اختياراتها وأسلوب حياتها والمضي في اتباع الآخر. ألم يخلقنا الله سواء بنفس القوة والقدرة؟ علينا كسر قاعدة هذا الطريق أفضل أو هذا الطريق أيسر أو أكثر حكمة.

قد نتشاور مع الآخرين ونتعلم منهم، نتلقى نصائحهم ونستفيد من تجاربهم، لكن ليس إلى حد التخلي عن اختياراتنا الخاصة من أجلهم.
انتهى الأمر بالعديد من الناس أن أصبحوا معلمين، ليس لشغفهم بالمهنة لكن فقط لأن اجدادههم الحكماء حدثوهم يوما عن نبل وظيفة المدرس، وهكذا انتهى بهم المطاف أن عاشوا حياة أجدادهم وليس حياتهم أبدا.
أخبرني أحد زملائي يوما قصة حقيقية لا تزال تذكرني دوما بأهمية التشبت بإحكام بخيارات المرء، في زاكورة كان يجلس تلميذان مجدان دوما بقرب بعضهما في نفس الطاولة لا يفترقان في المرحلة الابتدائية، يقرآن نفس الكتب تقريبا في الثانوية، يراجعان دروسها بنفس القدر من الدقة، ويحصلان على نفس المعدلات الممتازة تقريبا واختارا نفس التخصصات وتخرجا بنفس الميزة، الفرق الوحيد بينهما أن والدة واحد منهما فرضت عليه الدراسة بالجامعة ليصبح معلما. “لا توجد وظيفة أحسن من التعليم” على قول الأم لابنها، بينما قام الثاني بالدراسات البحرية، وكان هذا طموح الاثنين، رغم أن أم الثاني حذّرت ابنها ببراءة من خطر الخوض في التجربة البحرية.
في مرحلة ما من حياتهم، أراد الكثير أن يصبحوا رجال أعمال لكنهم انتهوا إلى أن أصبحوا بائعي خضروات فقط، لأنهم نصحوا بمحاكاة ما كان عليه آباؤهم، فبائع الخضروات هو رجل أعمال أيضا، خاصة إذا طلبوا موافقته، بينما أراد آخرون أن يصبحوا رجال شرطة لكن انتهى بهم الأمر أن أصبحوا نوادل فقط لأن أمهاتهم أخبروهم يوما أن مهنة شرطي حافلة بالمخاطر والمتاعب.  وتمنى البعض الآخر أن يصبحوا أثرياء، لكنهم أصبحوا فقراء لأن أصدقاءهم يستمرون  في إخبارهم أن المال ليس كل شيء ولا يخلق السعادة، بينما أراد فتية آخرون أن يصبحوا لاعبي كرة قدم لكنهم صاروا عمال نظافة لأن اجدادهم أخبروهم أن كرة القدم مضيعة للوقت.. بعض التلاميذ الفقراء تركوا المدرسة في  سن مبكر، فقط لأن بعضهم ربطوا لهم مفهوم الدراسة بالبطالة، وأن إيجاد عمل وربح المال أكثر قيمة من قضاء الوقت في الجامعة.
جوهر النقاش هو أن نصبح ما أراد الآخرون أن نكون. كما لو أننا لم نكن موجودين من الأصل بل كنا مجرد العاب! عند ولادتنا، وُهبنا القدرة على قول نعم أو لا، والموافقة أو الاعتراض على أي قرار، المعارضة أو الدعم، المتابعة أو التجاهل، أن نكون المريد أو العارف، أن نتعلم الأشياء المهمة ونتجنب العادات السيئة.. ومع ذلك، فقلة قليلة من تستغل هذه القوة خاصة أولائك المستعدون للاحتفاء بحريتهم والتمتع بقدرتهم على التفكير الحر.
فكر في أولائك الذين يتزوجون لا يهمهم إن اختاروا هم بأنفسهم نصفهم الآخر أو طلبوا من آبائهم أن يختاروه لهم، سواء كانوا راضين عن شريك حياتهم أم فقط إرضاء لأمهاتهم، و لا يشغل بالهم أن أحبوا هذا الشريك أم هم فقط بحاجة إلى الزواج بأي حال كما كان يوصي أجدادنا القدامى به.
لقد حان الوقت لإحداث تغيير في حياتنا، هنا قد تكمن العقبة الأساس أو الحجرة التي تؤدي إلى العثرة في أننا نهاب التغيير، خاصة أنه يقال لنا إننا اجتزنا طريق التغيير بنجاح وفضلنا التواطؤ على الروتين والنمطية والاستقرار.

قيل لنا إن الأمان أفضل من المغامرة،  أولائك الذين يتقبلون النصيحة وخيارات الآخرين محكوم عليهم بالفشل،  دعونا نجرب اختياراتنا الخاصة ونُفعّل المعجزات.
قيل لي ذات مرة إن التدريس لن يسمح لي بالاستمتاع بمتابعة دراستي، تخليت عن الفكرة. عندها فقط نجحت في الحصول على شهادة البكالوريوس بامتياز. أتأسف على تضييع واحد من أهدافي عندما استمعت للذين يقولون: “هذا الطريق أفضل”.. لا تدع الآخرين يملونها عليك..

كتابة: عمر بيحميدين

ترجمة: إيمان صابري

1xbet casino siteleri bahis siteleri