الخوف..  

778

إن الخوف ظاهرة و حالة انفعالية طبيعية تشعر بها كل الكائنات الحية في بعض المواقف و لكنها قد تؤدي إلى أضرار جسيمة تبقى آثارها مدى الحياة … يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم “من أخاف مؤمنا بغير حق كان حقا على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة“.

يكمن الفرق بين الخوف و القلق في أن الخوف يكون نتيجة وجود عامل أو سبب واضح يمكن أن يؤدي إلى الأذى والضرر، أما القلق فهذا العامل أو السبب غير موجود.  ويعيش الإنسان القلق في حالة تأهب و ترقب لحدوثه على المدى القريب أو البعيد. والإنسان يولد و قد زرعت فيه بعض أنواع الخوف مثل الخوف من الأصوات العالية أو الارتفاعات، ثم تتطور أنواع الخوف وتسرع في الإنسان بناءا على الظروف التي يعشها.

في دراسة على خمسين شخصا وجد أنهم في مجموعهم يحملون أكثر من سبعة آلاف نوع من أنواع الخوف، وتعد السنوات الأولى من حياة  الطفل أهم سنوات لبنائه النفسي و زرع الخوف في قلبه سواء كان هذا الخوف إيجابيا يساهم في بنائه وحمايته أو سلبيا يشل حركته و يمرضه. فالسنوات الأولى خاصة الثلاث الأولى هي أسرع فترة لنمو عقل الطفل.

في كل مرة يتعرض الطفل لموقف يستقبله عقله بأنه يشكل خطرا عليه مثل الأصوات العالية أو الاعتداء الجسدي أو اللفظي أو  النفسي أو العاطفي أو العنف الأسري، فإن الدماغ و خاصة غدتي الأميكديلة ( الغدة اللوزية ) و الهيبوكمبوس ( قرن أمون أو حصان البحر أو الحصين)  يرسلان إشارات لإفراز هرمونات مثل الإيبنفرين (الأدرينالين) والنور إيبنفرين (النورأدرينالين) والكورتيزول في المدى القصير.

وتؤدي هذه الهرمونات إلى زيادة دقات القلب و الضغط و توسيع شرايين الدم وضخ الدم إلى العضلات والأطراف وسرعة التنفس، فإذا اختفى سبب الخوف زالت الأعراض و عاد الجسم إلى حالته الطبيعية المتوازنة، أما إذا تكرر الحدث وأصبح الطفل يعيش في حالة خوف مزمن فإن استمرار إفراز الهرمونات يؤدي الى تبعيات سلبية كبيرة على الجسد والعقل و الروح  على المدى القريب و البعيد.

وقد يؤدي إلى فقدان الثقة و تبخيس الذات وضعف الشخصية وحدة الطبع و اضطرابات في النوم وفقدان الشهية والصداع ونوبات الذعر و القلق الدائم وضغط المناعة وصعوبة التركيز،  وقد يمتد إلى آثار أكبر من ذلك بكثير، فالذي يحدث هو أن هرمون الكورتيزول إذا استمر في الإفراز لفترات طويلة فإنه يؤثر سلبا على طريقة نمو وعمل منطقة الهييبوكامبوس في الدماغ و هي المسؤولة عن القدرة على التعلم وصنع خلايا الذاكرة الجديدة.  وهذا ما أكدته الأبحاث بأن الخوف المزمن في مراحل الطفولة يؤدي إلى دمور في أجزاء الدماغ المسؤولة عن التعلم و الذاكرة، بل وجد أن غدة الأميكديلة تتضخم لدى الأطفال  الذين تعرضوا إلى حادث مروع و المصابين بمرض الرهاب أو الفوبيا، مما يجعلهم عرضة للقلق و للخوف مدى الحياة، وذلك لإفراط نشاط غدة الأميكديلة وزيادة إفراز هرمونات الخوف والقلق والتوتر بدون وجود سبب معقول وهذا هو سبب القلق الدائم.

ووسائل زرع الخوف في الطفل عديدة أهمها تخويف الوالدين أو أحدهما للطفل باستمرار والقسوة عليه والتهديد بالعقاب والتعنيف اللفظي والنفسي والعاطفي  والمبالغة في الخوف والقلق عليه والتضييق عليه بذريعة الخوف و أن تكون بيئة العائلة فيها الكثير من المشاجرات والخلافات… كل ذلك يؤدي إلى  فقدان الإحساس بالأمان والخوف من الانفصال أو الهجران أو فقدان أحد الوالدين، علما بأن الطفل عندما يبكي أو يغضب أو يتصرف بعنف فإنه يتصرف كرد فعل لإحساسه بالخوف.

وأنجح طريقة لمعالجة هذه التصرفات هي الاهتمام والاحتضان والرعاية والحب الذي يؤدي إلى إفراز هرمون آخر عكس هرمون الكورتيزول وهو هرمون الأوكسيتوسين ويسمى ب”هرمون الحب” وهو الهرمون الذي يفرز أثناء الرضاعة ويقوي العلاقة بين الأم و الرضيع، كما يفرز عند الجماع بين الزوجين و يساهم في  توطيد العلاقة الزوجية.

وإذا انتشرت ثقافة زرع الخوف في قلب الطفل في البيت والمدرسة والشارع فإن المجتمع ككل يصبح مجتمعا تكثر فيه التبعات السلبية للخوف على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، وهذه المجتمعات يقل فيها الإبداع فالخوف أكبر عدو لتقدم الانسان وتطوره وإبداعه.

من سيرة رسول الله صلى الله و سلم نتعلم حرمة  ترويع الآمنين وتخويفهم  وسيرته مليئة بالصور المؤكدة لهذا المعنى، منها القصة التي حدثت مع حبر من أحبار اليهود و هو زيد بن سعنة الذي أقرض النبي صلى الله عليه و سلم ثم قرر أن يأتي قبل يوم وفاء الدين ويطالب بدينه وقد افتعل كل هذه القضية من أجل أن يتحقق من آخر خصلتين من خصال الرسول المنتظر  ألا وهما أن يسبق حلمه و جهله أي غضبه و أن لا يزيده شدة جهل إلا حلما، كما  اتهم بن عبد المطلب بصفة المماطلة و هنا تصدى له سيدنا عمر و هدده بقطع رأسه، فكان رد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبلغ درس في النهي عن ترويع الآمنين حتى مع يهودي افترى على رسول صلى الله عليه و سلم و أساء الأدب معه فقال: ” اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ”، فلما تحقق لليهودي حلم الرسول صلى الله عليه و سلم  دخل الإسلام.

ازرعوا الحب و الأمل و الثقة في قلوب أبنائكم و إياكم أن تزرعوا فيهم الخوف أو يروا منكم غير الخوف الايجابي البناء، كالخوف من الله عز وجل والتحرر ممن سواه.

فعلى قدر ما تمتلئ أوعية قلوبكم خوفا من خالقكم  ورجاء و أملا فيه و به دون سواه على قدر ما تتحجر صور خوف سلبية مادية أخرى و يتحرر الإنسان من مخاوفه و من قلقه.

 

عن سلسلة “وَمَحْيَايَ” للدكتور وليد فتحي.

تفريغ : تيسير بوتشيش

 

1xbet casino siteleri bahis siteleri