دع الكون يرشدك..

916

“في بعض الأحيان يظهر لك الكون اتجاهك ومسارك حتى لو كنت تجهل الطريق”

سمعت هذا الاقتباس الثاقب من إحدى الشخصيات في فيلم Love on Safari الخاص بقناة هولمارك، والذي يصور في جنوب إفريقيا حيث كانت حياتي نموذجا مثاليا لهذا الاقتباس.

نشأت في مدينة صغيرة في ولاية فرجينيا الغربية بالولايات المتحدة الأمريكية، قضيت شبابي كفتاة خجولة غير آمنة بسبب الإساءة اللفظية من والدي القاسي والمتعاطي للكحول لسنوات، فكثيرا ما اختبأت من العالم في كتبي ودراساتي، إذ من خلالها ملأت قلبي وعقلي بأشياء كثيرة عن رؤية العالم وإيجاد الحب الحقيقي، والنجاح، ومساعدة الآخرين وإحداث فرق في حياتهم… أشياء كثيرة شعرت أنني لن أحققها إلا في مخيلتي.

خلال مراهقتي عانيت إصابة خطيرة في الركبة جعلت من الصعب علي المشي لمدة خمس سنوات من حياتي. إذا نظرنا إلى الوراء في هذه السنوات المؤلمة، فقد اضطررت إلى أن أصبح قوية حتى أتمكن من النجاة من عجزي والتغلب عليه، على الرغم من أنه عزز أيضا مشاعر العجز لدي؛ حاليا لا زلت أعاني مشاكل في الركبة، بيد أنني وجدت طرقا للتعامل معها، بما في ذلك الاضطرار إلى عدم الاكتفاء بمحاولة المشي مرة واحدة بل مرات عديدة.

كان الذهاب إلى الجامعة بداية التحول الذي كنت في أمس الحاجة إليه؛ خرجت تدريجيا من صدفتي الواقية، وبدأت في استكشاف جميع خيارات حياتي الممكنة. لم يكن هدفي الأولي هو اختيار أن أكون معلمة فنون اللغة في المدارس الثانوية لمدة 37 عاما بعد التخرج؛ كنت أحلم بحياة تنطوي على موسيقى، ومع ذلك، عندما أنظر إلى تلك السنوات العديدة، أعتقد أنني كنت قادرة على إلهام تلاميذي، على أمل أن يغيروا حياتهم بطريقة ما حتى لو كان تغييرا ضئيلا للغاية. بعد عدة سنوات من تقاعدي، وهي فرصة لتغيير الحياة لتعليم الشباب في القاهرة بمصر، اقتنعت أكثر بأنني متجهة إلى أن أصبح مدرسة، أعتقد حقا أن التدريس كان خطة الله لي.

خلال أول صيف لي في كلية الدراسات العليا، قابلت بيل، الذي سيصبح زوجي لاحقا، وسرعان ما وقعنا في الحب، وغطسنا فيه بعد ستة أسابيع من تاريخ لقائنا الأول، حيث تزوجنا بعد ثمانية أشهر. خلال زواجنا البالغ من العمر 46 عاما، كان بيل أكثر مؤيد لي، يشجعني على المجازفة والحلم أكثر مما كنت أعتقد أنني سأفعل؛ لقد كان دائما أنيسي ومساندي.

حلم آخر أصبح حقيقة، في عام 1981 عندما سافرت مع بيل وابني إلى تسع دول في أوروبا، كانت هذه أول مغامرة دولية امتدت عبر أربع قارات: أوربا، وآسيا، وإفريقيا، وأمريكا الشمالية؛ وقد زرنا ما مجموعه 53 دولة حتى الآن، وتشمل أبرز محطاتها المشي على سور الصين العظيم؛ والبحث عن وحش بحيرة لوخ نيس؛ والإبحار في نهر النيل، ونهر التايمز، ونهر الدانوب، والعديد من المحيطات والبحار؛ وركوب الجمال والحمير والنعام في الأراضي الغريبة؛ واستكشاف المتاحف الشهيرة وغيرها من المعالم السياحية، مثل برج إيفل، وبرج القاهرة، والغابات الاستوائية المطيرة في تايلاند.

لقد تمكنت من خلال هذه التجربة العظيمة أن أتعرف إلى أصدقاء من جميع أنحاء العالم، واكتشاف مختلف ثقافاتهم ودياناتهم ومأكولاتهم، واستكشاف الجغرافيا المذهلة، وقبول جميع الاختلافات التي تعلمتها بعقل متفتح. عندما أتيحت لي الفرصة الفريدة لتدريس اللغة الإنجليزية في أحد مراكز تعليم الكبار في القاهرة في عام 2011، سافرت إلى مصر لمدة ثلاثة أشهر من أجل هذه المغامرة المغيرة للحياة.

بعد تقاعدي لمدة ثلاث سنوات شعرت بالملل، لذا كانت هذه فرصة للقيام بشيء مثير، ولم أكن أعرف قط أن مصر ستشهد ثورة عنيفة، وسأعيش على بعد ثلاثة مبانٍ من ميدان التحرير مركز الاحتجاجات، ولكن في المقابل قد علمني طلابي المذهلين قدر ما علمتهم هم وغيرهم من المصريين المساعدين، حتى تحولت إلى امرأة مصرية كنت بحاجة ماسة إليها للبقاء على قيد الحياة بسبب الاضطراب الذي يحيط بي باستمرار.

بعد بضع سنوات فتحت مركزا في القاهرة مع بعض الشركاء المصريين: أحمد محمد، وإيهاب محمد، وسمر فاروق. للأسف، كلاهما مغلقان الآن بسبب الاقتصاد المتعثر هناك، لكن الدرس الذي اكتسبته كان ذا قيمة، المخاطرة ضرورية حتى لو لم تكن النتيجة كما تريد.

عندما عدت إلى المنزل أرغمني قلبي على سرد قصتي، أي قصة حب المصريين وكفاحهم من أجل حياة أفضل. كتابي الأول “لأنني آمنت بنفسي” (My Fantasy Came True) نشر في نوفمبر 2012، ومنذ ذلك الحين ازداد حبي للكتابة في أشكال الشعر، والروايات، والمدونات، والقصص القصيرة للبالغين والأطفال، وإنتاج مقاطع فيديو يوتيوب، ومقالات المجلات، مع صديقي العزيز أيوب آيت القاضي، حيث أنا رئيسة تحرير وكاتبة مساهمة في مجلته الإلكترونية “أقلام المغرب”.

منذ عام 2014، أسفر إنجازي المهني عن العديد من الجوائز، والمقابلات الإذاعية، والفيديو والمجلات والجرائد، لعملي الشاق وكتاباتي. أقبل بكل تواضع هذه الأوسمة، لكن أفضل شعور هو أن أتمكن من تعليم الآخرين بكلماتي مرة أخرى، ففي قلبي سأظل دائما معلمة، حيث أنا الآن قادرة على الوصول إلى المزيد من الطلاب بطرق مبتكرة.

تجربة أخرى فريدة من نوعها وجهتني إلى هدف مهم في الحياة؛ فبعد أن بدأت لعبتي المبهرة في منتزه كروجر الوطني بجنوب إفريقيا، والعديد من المنتزهات والمحميات في كينيا، استحوذت الحيوانات البرية الإفريقية على قلبي، ومحنتها الحالية للبقاء على قيد الحياة بعيدا عن أيدي الأشرار من القناصين. أنا الآن من دعاة حماية الحيوانات، وأنشأت مقاطع فيديو على قناتي على YouTube حول الأنواع المهددة بالانقراض؛ وكوني عضوة في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في كينيا، وزميلة في العمل مع مؤسسها المخلص نور سانتوسيان، أدعو مواطني عالمنا أن يدركوا خطورة هذه المشكلة، وأن يناضلوا من أجل تشريع المزيد من القوانين لحماية هذه الحيوانات الثمينة، يجب أن نكون صوتها وليس عدوها.

تحولت 2014 إلى سنة رعب، حيث في شهر يونيو، أجريت عملية استبدالٍ كُلِّي للركبة اليسرى، أعقبها حادث سيارة خطير في ديسمبر تسبب في كسر ثمانية عظام في جسدي، وتضرر رئتي اليسرى، وكدمات قوية في الطحال؛ فلقد ارتديت دعامة للرقبة لمدة 93 يوما، وركبت صفيحة بحجم 8 بوصات زرعت جراحيا في ذراعي اليسرى.

عانيت لثمانية أشهر بسبب العلاج الطبيعي في أجزاء مختلفة من جسدي؛ كان بالإمكان أن أجلس وأستسلم وكلي أسى، لكن هذا لم يحدث، فمع ذلك اخترت استخدام يدي اليمنى لكتابة روايتي الأولى “التجوال العشوائي”، وهي قصة مغامرة عالمية عن الطبيب البيطري فانيسا لامبرت؛ من خلال هذه الشخصية الخيالية، كان عقلي في كثير من الأحيان قادرا على كبح آلامي المؤلمة والسفر حول العالم مرة أخرى، كانت كتابة هذه الرواية خلاصي خلال هذه السنة المجهدة.

بعد تلقي ما سأدعوه “رسائل سماوية كونية”، أعتقد بصدق أن حياتي قد تم توجيهها بطرق لا واعية؛ دائما ما أحيط نفسي بأشياء غير مألوفة بالنسبة لي في بعض الأحيان، فقد اكتشفت أنه من الحكمة الاستماع إلى قلبي ثم برمجة عقلي لمتابعة تلك المكالمة الجديدة؛ الحياة قصيرة، لا أريد أن أضيع لحظة واحدة منها عبثا، فكما أقول دائما: “لا تحلم حلما كبيرا، احلم حلما صغيرا واكبر معه”، الآن سأضيف أيضا: “دع الكون يرشدك لتحقيق أحلامك”.

بقلم: راندي د. وارد

ترجمة: تيسير بوتشيش

التدقيق اللغوي: مصطفى الونسافي

1xbet casino siteleri bahis siteleri