نظرية التطور ونظرية التدهور..

745

 منذ أن أطلقت نظرية التطور على يد “تشارلز دارون” قبل أكثر من قرن ونصف، وهي تثير الكثير من ردود الأفعال؛ بعض العلماء يعتبرونها اليوم حقيقة علمية مسلمة، وبعضهم يعتبرون أن فيها ثغرات تهدم البناء بأكمله، وآخرون يروجون عنها صورة سيئة بمبالغات ربما ليست دقيقة ولم يقل بها “دارون”، وبعضهم يعتبرون هذه الصورة السيئة هي الحقيقة المطلقة.

كمسلمين، وقف بعضنا موقف الرفض المطلق، واعتبر النظرية كفرا صريحا مخالفا لآيات القرآن الكريم، وآخرون وقفوا موقف المؤول، يؤول تارة نصوص القرآن، وتارة يؤول النظرية، وصنف ثالث وقف موقف المتردد الحذر.

لن أقول موقفي من نظرية التطور، فموضوعي ليس عن نظرية التطور، بل عن نظرية أخرى، إنها “نظرية التدهور”.

نظرية التطور تقول ببساطة إن كل الكائنات الحية قد تدرجت في الخلق، ابتداء من خلية واحدة بسيطة، ثم تعقدت بالتدريج إلى أن أصبحت تلك الكائنات المعقدة؛ نظرية التدهور تقول العكس: الإنسان ذلك الكائن شديد التعقيد يمكن أن يتدهور بالتدريج، ليصبح مثل كائن أحادي الخلية أو أقل شأنا.

شيء مرعب، أليس كذلك؟ أن يتدهور الإنسان إلى أن يصبح مثل كائن أحادي الخلية؛ مرعب جدا ولكنه منتشر أيضا، الحقيقة أنها حالة وبائية، ومن شدة انتشارها لا أحد ينتبه لها، فالمصاب بها لا ينتبه لها، مثل السمكة لا تعرف أنها تعيش في الماء، وكذلك الكائن الذي تدهور من إنسان كائن أحادي الخلية لا يعلم أنه قد أصيب بالتدهور.

كيف يمكن للإنسان الذي كرمه الله أن يتدهور ويصبح كائنا وحيد الخلية؟

ليس على صعيد الشكل بالتأكيد ولكن على صعيد الوظيفة، على صعيد الدور المنوط به؛ عندما يكف الإنسان عن أداء الدور الذي خلق من أجله فإنه بالتدريج بدأ بالتدهور، لو كانت لديك سيارة معطلة متروكة في الشارع، تحولت بالتدريج إلى أن تصبح ملهاة لأطفال الحي، فإنها كفت عن أن تكون سيارة، لقد أصبحت ملهاة، والإنسان الذي لا يترك أثرا في العالم، ولا يترك بصمة، ولا يفعل ما خلق لأجله، يصبح مثل كائن وحيد الخلية.

ما الأسوأ؟

مقالات مرتبطة

الكائن وحيد الخلية في النهاية يؤدي ما خلق لأجله، أما هذا الإنسان المتدهور فهو يستهلك الأكسجين والغذاء ويملأ العالم بمخلفاته.

{أيحسب الإنسان أن يترك سدى} القيامة: 36، أنا أستند في نظرية التدهور على هذه الآية.، وقد تقول لي أيها القارئ الكريم: “كيف؟ فهذه الآية معروفة ومتداولة جدا، أين التدهور فيها؟”، فجوابي: في كلمة سدى: وهي تعني بلسان العرب “الإبل المهملة”، الآية تقول أيحسب الإنسان أن يترك كالإبل المهمل؟

الإبل كانت ثروة عند العرب، كانت رأسمالا مهما عندهم ولا تزال، لماذا يهملونها؟ لأنها لم تعد تنفع لأي شيء يتركونها سائبة لا تُعْقَل، ولماذا لا يذبحونها؟ لأن لا شيء فيها يؤكل حتى ذبحها لم يعد مجديا، لذا تترك مهملة.

الآية تقول لك ولنا جميعا: “أيحسب الإنسان أن يترك مثل بعير ضال؟” كلمة قاسية جدا، بعض البشر يتدهورون إلى هذه الدرجة، لا ينتجون أي شيء مفيد في مجتمعاتهم بل يستهلكون فقط، فيكونون عالة على المجتمع وعلى البيئة؛ هكذا بعض البشر ينتهون ليكونوا مثل بعير ضال؛ لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، لكن بعض البشر يفضل أن يكون أسفل سافلين.

آية أخرى تتحدث عن نظرية التدهور، عندما تتصور أنك خلقت عبثا، بلا هدف: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} المؤمنون: 116، عندما تعيش حياتك على هذا الأساس، أساس أنها عبث بلا هدف، عندما تمضي حياتك تخوض مع الخائضين في اللا شيء، نعم لديك وظيفة تجني منها المال ولكنك لا تفعل شيئا حقا، لا تؤدي وظيفة إعمار الأرض، لا تفعل ما خلقت لأجله، تعيش حياتك بلا هدف عبثا ولعبا، أسفل سافلين.

وتسألني يا صديق هل أومن بنظرية التطور؟ نعم، أومن أن بإمكان الإنسان أن يتطور ليصل إلى المكانة العليا التي خلقه الله لأجلها، وأومن أن بإمكان الإنسان أن يتدهور حتى يصبح مثل “بعير ضال”، مثل “إبل مهملة”، أومن بالنظريتين بهذا المعنى، وأومن بالخيار، يمكنك أن تختار الطريق: إما أن تمضي إلى طريق التطور، أو تنزلق إلى منحدر التدهور، أومن بالخيارين.

يمكنك أن تدقق في 24 ساعة التي تعيشها كل يوم، كم منها يمكن أن يندرج في درب تطورك إلى الأعلى، وكم منها يندرج في منزلق تدهورك إلى أسفل سافلين، احسب ذلك بدقة، ثم انظر أين أنت.

 

عن سلسلة “لا نأسف على الإزعاج” للدكتور أحمد خيري العمري.

تفريغ: عبير جويط..

التدقيق اللغوي: مصطفى الونسافي.

1xbet casino siteleri bahis siteleri