2020: التدريب على المرتفعات

هل سمعت من قبل عن تقنية التدريب على ارتفاع؟ إنه تدريب يقوم به بعض الرياضيين قبل المشاركة في المنافسات والتحديات العالمية لمدة قد تمتد لعدة أسابيع، وذلك على ارتفاع يتجاوز في أغلب الأحيان 2400 متر كأفضل علو ممكن ومناسب للاستفادة منه. الغاية من هذا التدريب هو زيادة قدرة التحمل من خلال الاعتياد على مناخ مختلف يدفع الرياضي إلى بذل جهد أكبر، وتوظيف أعضاء حيوية مختلفة في جسمه بطريقة معينة. فعلى هذا العلو تصبح عملية التنفس البسيطة التي يقوم بها الإنسان بكل سهولة في المستويات المنخفضة خلال حياته اليومية، تصبح متعبة جدا ومستنزِفة؛ لأن مستويات الأكسجين تقل تدريجيا كلما ارتقينا عن مستوى سطح البحر.
ما يرمي إليه هؤلاء الرياضيون عبر تدريبهم الشاق، هو تطوير بنية أجسادهم واكتساب آليات جديدة تمكنهم من الحفاظ على لياقتهم ومرونتهم على ذلك الارتفاع؛ مثل زيادة حجم خلايا الدم الحمراء التي تمد أعضاء الجسم المختلفة بما يحتاجه لإكمال التمارين. زيادة حجم هاته الخلايا لا يتَأَتَّى إلا في ظروف معينة يوفرها العلو المرتفع. ما يحدث وقت المنافسات، هو أن هؤلاء الرياضيين يعودون إلى المستوى المنخفض ويشعرون حينها بسهولة المهمة التي تنتظرهم. كنتيجة: يحققون نجاحا ساحقا مقارنة بمنافسيهم الذين تدربوا على مستوى سطح البحر.
هذا ما دفع الكثير من الرياضيين إلى استعمال هذه التقنية أثناء التحضير للمحافل الرياضية العالمية، أو على الأقل محاكاتها بطرق مختلفة. إسقاطا لهذه المهارة التدريبية علينا وعلى حياتنا، فإننا نستطيع القول بأن سنة 2020 كانت تدريبا مكثفا على ارتفاع شاهق لم نعهده من قبل. واجهنا صعوبات مختلفة أثناء هذا التدريب؛ صعوبات اجتماعية تمثلت في ضرورة الابتعاد عن التجمعات حفاظا على سلامة أحبائنا، صعوبات اقتصادية أثرت بشكل قاس على عدة دول إن لم نقل العالم بأسره، صعوبات ثقافية وعلمية غيرت من هيكلة الأنشطة العادية التي كانت المجتمعات تهتم بها وجعلتها تتبلور في قوالب أخرى، وغير ذلك من التحديات التي عايشها العالم بكل أفراده صغارا وكبارا.
لكن، رغم قسوة ما مررنا به، إلا أن الجانب المشرق في الموضوع هو أن عودتنا إلى حياتنا العادية بعد انحسار الجائحة بإذن الله، سيميط اللثام عن التغير الكبير الذي حققناه وعن الاختلاف المدهش بين ذواتنا قبل سنة 2020 وبعدها. سندرك أن هذه السنة جعلتنا نصقل مهارات مختلفة على المستوى الفردي والجماعي. فقد غيرنا الكثير من أولوياتنا، وتوقفنا لننظر إلى الأشياء المهمة حقا في حياتنا بعد أن كنا نراها طوال سنين خلت عبر عدسة مشوهة. سنرى أن مناعتنا النفسية أصبحت أشد وأقوى مما كانت عليه، وأن طرق تفكيرنا تغيرت وتشعبت بشكل مختلف عما كانت من قبل، حتى وإن لم نلحظ ذلك الآن إلا أننا بعد نهاية هذا الوباء سنلمس التغيير حتما.
منحتنا هذه السنة الشاهقة عيونا جديدة، مختلفة ومتطورة، ستساعدنا بطريقة أو بأخرى عندما نعود إلى حياتنا العادية على مستوى سطح البحر؛ لنشعر وكأن كل ما ينتظرنا سهل ومُيَسَّر. سنستأنف حياتنا بقدرات أكثر وأكبر حجما تمدنا بالطاقة والحكمة لمواجهة الصعوبات، تماما كخلايا الدم الحمراء التي يزداد حجمها عند الرياضي بعد التدريب على ارتفاع.