لا تكبر..إنه فخ!

هل حقا مراحل العمر لها علاقة بفخ ما ونحن لا نعلم؟! كيف يمكنك أن تقنع طفلا صغيرا بأن لا يكبر، إنها مسألة لا يصدقها العقل البشري، من الناحية الواقعية، نعلم جميعا أن الإنسان منذ أن يولد إلى أن يموت، يمر من ثلاث مراحل أساسية، كل مرحلة تحمل في طياتها العديد من التجارب والمشاعر..وأكثر من ذلك يمكن القول إنها تحمل حياة مختلفة عن الحياة التي سيعيشها الإنسان في المرحلة التي تلي السابقة، وفي مقدمة هذه المراحل؛ مرحلة الطفولة، وهي المرحلة التي تبقى خالدة في ذهن الإنسان.

هنا بالضبط حيث يقع أو يسقط الإنسان (الطفل) ليقوم ضاحكا وربما الناس الموجودون حوله يصفقون ويبتسمون له قائلين: “ما وقع والو غادي تكبر وتنسى” (أظن أنها الجملة المشهورة والمتداولة في مجتمعنا). هنا أيضا يستمتع الطفل بجميع اللحظات؛ باللعب سواء لوحده أو مع أصدقائه..لا يفكر أبدأ في ماض أو مستقبل، يكون خالي البال، يستمتع أيضا بلحظات الدراسة ويجدها سهلة نظرا للمرحلة التي يعيشها، لا يملك حق المعرفة أن ما يدرس لن يظل كما هو. هنا أيضا يظهر على الطفل مفهوم الشغف بمعنى عندما يقول أريد أن أصبح لاعب كرة قدم مشهورا أو رياضيا مشهورا أو دكتورا أو محاميا… يكون له تصور جميل ورائع وبرأيي أي شخص يمكن الوصول إلى ما يريد، الأمر راجع إليه فقط. إضافة إلى أنه يذكر ماذا سيصبح عليه، ولكنه لا يعلم أن الطريق إلى هذا الشغف قد تكون صعبة، قد تكون أيضا مليئة بالعقبات.

يمكن القول إن هناك نوعا من الأطفال يكتسبون من خلال تنشئتهم الاجتماعية الحكمة والمعرفة وتميزهم بتطبيق القيم الاجتماعية التي اكتسبوها كما أنها تجذب الجميع.. فهذا النوع من الأطفال يعرف ماذا يريد مستقبلا، يعلم أن الطريق قد تكون صعبة، يعلم قيمة الصبر، والانضباط والإرادة.. يولد حكيما.

مقالات مرتبطة

إذا فهي الكثير من الأحداث تشمل هذه المرحلة، لا يمكن حصرها في فقرة.. يمكنني أن أضيف فقط فكرة مهمة وهي أن الطريقة التي عاش بها الطفل هذه المرحلة تؤثر بشكل كبير على المرحلة التي تليها وهي مرحلة الشباب، هي مرحلة تختلف من شخص إلى شخص آخر، كباقي المراحل أيضا، هي مرحلة التجارب الجميلة ونقيضها، لا يمكننا التحدث عنها بصفة عامة ولكن رغم ذلك توجد الكثير من الأمور المشتركة بين الأشخاص الذين عاشوا أو يعيشون هذه المرحلة، من بين هذه الأمور هي أنه يرى حياته هنا وهو يعلم أنها مرحلة وستمر، هنا يعمل جاهدا لتحقيق أهدافه وأحلامه التي تبناها في صغره، وطبعا سيصل إليها.. هنا سيكتسب معارف جديدة وأشخاص جددا لكنهم مؤقتون، لأنها مرحلة التطور والتغير، لا شيء يبقى كما هو، هي مرحلة أيضا نتصارع فيها مع ذواتنا وربما مع الناس الذين نحبهم أيضا.. لكن يمر هذا ونظل نحب أنفسنا ونعود إليها وإلى الناس الذين نحبهم أيضا، والشيء الذي نعيشه في هذه المرحلة الأكثر شهرة، هو أن يلتقي المرء بنصفه الثاني أو كما يقال اليوم توأم روحه، فيحبان بعضهما البعض ويتزوجان ثم ينشئان أسرة ويحاولان تحقيق التوازن في هذه المرحلة، ويسهرا على أبنائهم حتى يكبرون ونفس الشيء يتكرر بالنسبة لهم أيضا، فهي الحياة تستمر كما أنها تبدو قصيرة من خلال ما نتحدث عنه.. فهي كذلك.

ليأتي فيما بعد وأخيرا مرحلة الشيخوخة؛ أظن أن السن ليس ضروريا ولا يشكل فارقا مهما.. هم كثير من الناس وصلوا لهذه المرحلة وما زال الطفل الذي بداخلهم حي وموجود، وما زالوا يستمتعون بحياتهم، غالبا ما يكون الاسترخاء والطبيعة والتأمل هو ملاذهم بعد أولويات كالعائلة مثلا.. هي الحياة ومراحلها الفانية، نعيش ونحيا لليوم فقط، لا نعلم ماذا سيكون غذا، قد تنتهي حياة شخص ما في أي مرحلة من المراحل.

في يوم من الأيام؛ مر أمامي مشهد لا يقدر بثمن، عظيم بمعنى الكلمة، كلما تذكرته أفكر في والدي وما قاما به من أجلي ومن الضروري أن تسقط بعض الدمعات أو ربما ليس البعض.. كنت واقفة أنتظر وسيلة نقل، فإذا بأب يمسك يد طفلته الصغيرة وهو ينظر إليها ويبتسم وهي تمشي ببطء وتحرك رأسها يمينا ويسارا تستمتع بمشاهدتها للمجتمع المتحرك، وفي الاتجاه المعاكس لنفس الطريق، شاب ووالده قاعد على كرسي متحرك ووجهه يغمره التعب ورغم ذلك يتحدثان… فهمت من الأمر أننا دائما سنكون في حماية دائمة مع أسرتنا بصفة عامة، لا يمكن لأي فرد من الأسرة أن يتخلى عن الآخر رغم ما حدث أو ما يحدث من مشاكل وصعاب. شاهدت الحياة في مشهد واحد وفي مدة قصيرة جدا، جعلني الموقف أدرك قيمة الحياة، وأساس الحياة فيها وهما الأم والأب..اللهم احفظ والدي وأمهات وآباء الأمة الإسلامية واجعلهم يا رب من الضاحكين المستبشرين الغارسين من ثمار جنتك الشاربين من حوض نبيك والمحظوظين بشفاعته يا أرحم الراحمين.

برجوعنا إلى العبارة “لا تكبر إنه فخ” يمكن فقط تصورها وليس تطبيقها؛ فهي قولة الفيلسوف والروائي الروسي
“فيودور دوستويفسكي” قرأت القليل عن مسار حياته، ربما قالها لما شهده مجتمعه الروسي خلال القرن التاسع عشر من صراعات سياسية واجتماعية، الشيء الذي جعل أعماله ومؤلفاته وأيضا أقواله تجسد الصراع النفسي، هي أقوال كثيرة تشير إلى أنه كان محبا عاشقا لمرحلة الطفولة، يقول أيضا: “تشفى الروح بالبقاء بصحبة الأطفال”.. ربما عاش طفولة جميلة وهادئة وبعد أن تخطى تلك المرحلة، وجد نفسه أمام حياة أخرى مختلفة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri