مِنْ ضيقِ ضَنك إِلَى وسعِ سِعَتِهِ

إن الحياة سلسلة مشاق ومتاعب، تتخللها لحظات حزن، نفقد توازننا وتبهت الألوان في أعيننا، من عجائب الله في التخطيط لحياتنا أنه يذيقنا فترة من التجارب التي يصعب علينا تفسيرها ولا معرفة الحكمة من ورائها، فترة تصاب فيها أرواحنا المفجوعة بالجمود نحو كل شيء. البلاء تجربة ضرورية لا بد من المرور تحت سوطها، سواء إن تعلّم المرء منه أو لم يتعلم فهو موجود في حياتنا وليس خيارا تستطيع أن تصدّه متى ما أردت عنك أو عن الذين تحبهم. 

الابتلاء يمتلك خاصية خطيرة إذ يعيد تعريف الأشياء والناس في عين المبتلى، فيرزق بالبصيرة لترى عيناه الحقيقة وهذا ما يجعل أي شخص مر به مميزا عن غيره.. قد لا تشعر بذلك عند الوهلة الأولى. وقد تجلس لتدرك ألم البلاء الذي أصابك، وقدرة الابتلاء في دهس عظامك وكل أعضاء جسمك، لكن سرعان ما تدرك بعد تلك الوهلة أن كل شيء بقدر الحزن كما الفرح… يقف على أعتاب قلبك قد يطيل الوقوف لكنه في النهاية يرحل ليحل مكانه إحساس آخر.

يجب أن نعتاد البلاء تماما كما نعتاد الرخاء، أن نعتاد الحزن كما نعتاد الفرح، وأن نعتاد القلق كما نعتاد الطمأنينة.. لأن الحياة لا تحلوا دون الاثنين معا. إن الذي لا نتقبله هو الاستثناء الذي نعيشه فجأة، وصعوبة ذلك تكمن في كونه شيء جديد قد لا نمتلك عنه أدنى فكرة، فنتمنى أن يمضي الأمر سريعا ويزول. الكثير منا عوض أن يجعلوا هذه الفترة فرصة لمعرفة نقاط الضعف والقوة، ويعرفوا من هم حقا بجانبهم ويجلسوا أكثر مع أنفسهم ويدفعوها حتى تنضج وتوسع إداركها… تجدهم قد اشتاقوا لروتينهم الخالي من التغيرات.

الذي مر ويمر علينا لا يجب أن يحبطنا بقدر ما يتوجب أن يذكرنا بالنعم الكثيرة التي تناسينا وجودها ونحن نلهث وراء أوهام الدنيا. فمن يسعى لعيش حياة طيبة، يكون مدركاً أنها مد وجزر، وأن الابتلاء اكتمال للتجربة الإنسانية على الأرض، حتى يشعر بطعم المشاعر الأخرى، وبدونه طبعاً تبقى التجربة ناقصة للغاية وأحيانا بائسة.

بالرغم من توالي المحن والشدائد، يبقى للحظات الفرج والاستجابة أثر لا ينسى، لكن إن لم نستطع ترويض النفس على استعظام كل تلك اللحظات فأكاد أجزم أنها حتى لو كانت حياتنا كلها مسرات لن نبلغ الرضا والسعادة المرجوة.

غالبا ما نقرن الابتلاء بوقوع مكروه أو شيء سيء، هذه هي نظرتنا له، لكن الحقيقة أن الابتلاء يشمل أيضا الخير، كل ما يحدث لنا لسبب وكذلك هو الحال مع الابتلاء أيا كان، قال تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، فقد يكمن الخير كله بعد الضر الذي يصيبنا. نرى في المرض عذابا وألما وهو في الأصل له منافع روحانية كبيرة كالتقرب من الخالق وتطهير الذنوب، زيادة في الحسنات ورفع للدرجات، كما له منافع أخرى، كإعادة التوازن بين كفتي الروح والجسد اللتان لا شيء يعلو أهمية عنهما، ويذكرنا أننا كل شيء لأنفسنا كما يدفعنا لترتيب ذواتنا بعيدا عن صخب الحياة.

كل تلك الصدمات والأحداث يجب أن نراها رسائل عميقة، سمحت لنا بقراءة ما يحدث بداخلنا لندرك نوعية المخاوف والعقد والتعلقات، والقوالب الفكرية التي نمتلكها لندرك حقيقة أنفسنا الضعيفة، ولنكتشف المزيد والمزيد عنا ونبدأ بالتعديل والارتقاء… في خضم كل تلك الابتلاءات التي لا تستثني أحدا، ينبغي أن نكون ممتنين لأي درس غير متوقع ظهر دون أن نهرب، أن نستمر في الحياة بكل ما رزقنا من قوة وإيمان كبيرين بأننا أتينا لهذه التجربة من أجل شيء عظيم.

فلا ننسى قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} من كل شيء حتى تلك المعاناة والمشاعر السلبية، سنعيشها كما ينبغي وسوف نخرج منها شيء جميل، مهما كانت المحنة شديدة ففي قلبها عطية عظيمة. ويبقى في بلاءه رحمه وعفوه رحمة، مرضك رحمة وصحتك رحمة، وكل تدابيره رحمة، ف الله وضع لنا مئات الطرق نحوه، ومئات طرق للنجاة من متاهات الدنيا، ومئات الطرق للتغلب على المصاعب وتجاوز الهموم.

1xbet casino siteleri bahis siteleri