داخل المستشفيات :ما بين الأمل والألم

هناك في آخر الممر في الطابق الثاني تجلس فتاة تبلغ من العمر ست عشْرة سنة، إلا أنها وعلى ما يبدو أخذت نصيبها من سواد الحياة وتجرعت مرارتها قبل الأوان، بوجه شاحب وعينان يحيط بهما لون أزرق وشعر خفيف لا أعلم نتيجة ماذا، لكنه يبدو كأوراق الأشجار في فصل الخريف، كانت تُشبه الوردة التي أخذت أكثر مما تحتاج من الماء فبدأت رويدا رويدا بالذبول، كان يظهر عليها وبشكل واضح أنها بلغت من المآسي أقصاها وتحملت فوق طاقتها من الآلام، لكن ورغم ذلك ما زال هناك جانب منها مُشع بالآمال.

أبعد نظري عنها قليلا وألقي نظرة سريعة على باقي الممرات داخل عالم مُختلف تماما، عالم كل ما أسمعه فيه هو صوت الآلات، والمرضى، والأطباء، وصراخ الأطفال، وبكاء النساء وكل ما كُنت أشاهده فيه هو نساء، وأطفال، ورجال، وأطباء، وممرضين، والكثير من الأدوية والآلات…وُجوه تَبعث الأمل وأخرى تُبرز الألم، يقتلني الفضول وأحاول إشباعه فألتفت مرة أخرى في اتجاه الفتاة لأجدها تتحدث مع أحد الأطباء: نعم دكتور، حسنا دكتور، أكيد دكتور، سأحاول دكتور.. كانت تكن له الكثير من الاحترام والتوقير، أكاد أشعر بنبضات قلبها المتسارعة، ودموعها المُنحبسة داخل بؤرتي عينيها لتنعكس على صوتها، مزيج خيالي يجعلك تظن لوهلة أنك داخل مسلسل درامي! أشعر بأنها تريد أن تسأله أو تخبره بشيء لكنها لا تتحلى بالشجاعة الكاملة ولا تمتلك الجرأة، في أقل من دقيقة تستجمع المسكينة قواها وتصرخ بكل ما أوتيت به من قوة قائلة: لكن ما دامت هناك حياة هناك أمل.

مقالات مرتبطة

أعرف الكثير من الأشخاص مروا من نفس تجربتي وتعالجوا، السرطان لا يعني الموت أليس كذلك دكتور؟ يا الله الفتاة تبلغ من العمر ست عشْرة سنة وها هي داخل المصحات تبحث عن علاج من سرطان ينهش أعضاءها. صدقا لم أستطع استيعاب فظاعة الأمر، تجهش المسكينة بالبكاء ليتقدم نحوها الطبيب مسرعا وهو يردد: بلى، بلى هناك أمل وأنت على حق، اطمئني كل شيء سيكون على ما يرام، يكفي أن تكوني قوية، سنعالج الأمر معا.

لا أعلم إن كانت الحياة قاسية، ولا أعلم إن كانت غير عادلة، ولست بدرايةٍ إن كان هذا قدر أو مشيئة أو إحدى النهايات. كل ما أدركه حاليا وأؤمن به هو أن ما بداخل المستشفيات أقسى وبكثير مما نراه خارجها. فهناك من يحارب الموت، وهناك من يعاني لكي يأخذ نصيبه من الأوكسجين، وهناك من بداخل الإنعاش ما بين الحياة والموت يُحارب لعله يفوز ويعود مجددا إلى الحياة، وهناك من منح الحياة لشخص وفقدها هو كالأمهات مثلا، وهناك من يتنفس أمل وألم الحياة معا كالأطفال. أعود مساء لأكتب ما مررت به نهارا مع الكثير من الألم والأمل والامتنان.

1xbet casino siteleri bahis siteleri