الحياة: بين حلم نصنعه وواقع نعيشه!

من منا لم يحلم ومن منا لم يخطط لمستقبله؟ من منا لم يرسم ويكتب عما يريده وما يشتهيه؟ كيف لا وأحلامنا هي وقودنا وأملنا في أن يكون غدنا أفضل بكثير من الأمس؟ لكن، هل سبق أن كان هذا الأمل هو سبب ألمك فيما بعد؟ هل سبق أن لعنت اللحظة التي تأملت فيها ثم حلمت وتعلقت بالحلم ليتعسر بعدها تحققه؟

أحلامنا وإن اختلفت فإنها تشترك في شيء واحد وهو أننا نحن من نصنعها شيئا فشيئا، انطلاقا من الظروف والأحداث والطرق التي عادة ما نجعلها سلسة ومستقيمة خالية من الصعاب والعقبات، متجاهلين في الكثير من الأحيان احتمالية اعوجاجها. بقدر ما الأحلام جميلة بقدر ما هي قاسية، فقد نصنع حلما اليوم ونعيشه بتفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، نتخيل على هوانا، فلا يتحقق في الغد، لتصبح صدمتنا به كبيرة بحجم الحلم الذي صنعناه وبحجم التفاصيل التي زيناه بها، ليمضي العمر أحيانا ونحن نتحسر على الحلم الذي ضاع، أو في محاولات عدة لمطاردة الأحلام التي لن تتحقق، لنهدر بذلك الوقت، والطاقة، والجهد والكثير من جمال واقعنا ومحيطنا الذي نعيشه.

الفرق بين الحلم والواقع أن الحلم نحن من يصنعه، أما الواقع هو الذي نعيشه بتفاصيله الصغيرة والكبيرة، الواقع المحكوم بالأقدار والقوانين التي لا حول ولا قوة لنا فيها، الواقع المليء بالمتغيرات والمفاجآت التي لم تكن في الحسبان، الواقع هو تلك اللحظة، ذلك الجزء من الثانية الذي يمكن أن يقلب حياتنا رأسا على عقب، ليغير ويلغي كل مخططاتنا، الواقع هو ما نعيشه، هو حياتنا، هو أملنا وألمنا في الوقت ذاته، هو اللحظة التي إذا مرت لا يمكننا إرجاعها أبدا مهما حاولنا، هو الحياة التي نعيشها دون أن نملك يدا فيها.

مقالات مرتبطة

الجميل في الواقع أننا نربي أنفسنا على الإيمان بقدرنا الذي كتبه الله علينا، أن نؤمن به ونحمد الله عليه كما جاء، أن نندفع إلى حلمنا متجندين بمبدأ العمل بالأسباب والكمال على الله سبحانه وتعالى.

من الجيد أن تحلم، أن تخطط، أن تتأمل لكن إياك أن توهم عقلك أن كل ما تنويه سيتحقق بالطريقة التي تراها مناسبة، فأحيانا تتأخر الأحلام لتتحقق، وأحيانا أخرى لا تتحقق ليكون الآتي من بعدها أفضل، صدق المتنبي في قوله «ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»، والتي تعني أن ظروف الحياة قد تأتي عكس ما يتمنى الإنسان، مثل السفن وذلك كناية عن قبطانها وركابها كما أنها قد تأتي مواتية وسهلة في اتجاه سير السفينة لكي تدفعها للأمام، وأحيانا أخرى قد تأتي مهاجمة لتصل لتحطيمها.

الأصح في الأمر هنا أن تحلم، نعم، لكن مع استحضار مبدأ الاحتمالات، احتمال أنها ستتحقق كما يمكن للأمر ألا يتحقق أو يتأخر في أن يتحقق، وبدل أن تهدر وقتك في أحلام اليقظة والتخيلات يجب أن تعمل على أن تحقق حلمك رويدا رويدا. فكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه: «اعقلها وتوكل» أي أن تأخذ بالأسباب دون الاعتماد عليها، أي أنها لا تؤدي إلى النتائج بطريقة حتمية، بل نسبية، آنذاك فقط يمكن أن تتجنب ألمك في الغد في حالة لم يتحقق مرادك فأنت أخذت بالأسباب، عملت وآمنت لكن لم تتعلق إن حدث وتحقق الحلم فمرحى لك وإن لم يحدث فلعله خير.

هكذا هي الحياة لا شيء فيها حتمي، فالأشخاص المحيطون بك اليوم يمكن أن يرحلوا غدا أو من الممكن أن تفرق بينكم الحياة والظروف، أحلامك اليوم يمكن أن تكون سبب ألمك غدا كما يمكن أن تكون سببا في سعادتك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri