يقولون إن الساعات الأولى من اليوم تحمل في فمها الذهب، ويقولون إن لحظة إقلاع الطائرة هو ما يحدد بقية مسارها، وقد سبق ديننا الحنيف إلى الإشارة لأهمية هذا الوقت منذ أزيد من 1400 سنة، والذي تجسد في قول رسولنا الكريم ﷺ: «بُورِك لأمتي في بُكُورها»’ وفي قول المولى ﷻ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وقوله ﷻ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل].
يسمي الغربيون الساعات الأولى من النهار؛ الساعات السحرية، وقد صادف أن قرأت مؤخرا كتاب نادي الخامسة صباحا لروبن شارما الذي يتحدث عن أهمية الاستيقاظ المبكر، وماله من فوائد على الروح والصحة الجسدية والصحة العقلية والنفسية إذا تم حسن استغلال هذا الوقت القيم وفقا لمعادلة 20/20/20، والتي مفادها كالتالي: 20 دقيقة روحانيات وتأمل، 20 دقيقة رياضة أو مشي، و20 دقيقة كتابة وتطوير ذاتي، ويمكن إنجاح هذه المعادلة بأن تعدك لأن تصبح أكثر نجاحا في الحياة، وأكثر كفاءة، وأكثر ثراء وسعادة، خاصة إذا تم تطوير الإمبراطوريات الداخلية الأربعة: الروح، والعاطفة، والصحة، والعقل؛ إذ كلها ركائز تسمح للاستفادة من اليوم كما يجب، وقد تم إصدار هذا الكتاب منذ عشرين سنة وبيع منه أكثر من عشرين مليون نسخة.
حسب تجربتي الخاصة وخلفيتي الإسلامية، فالاستيقاظ باكرا من أروع ما يمكن أن يقوم به المرء كروتين يومي، لما يوفره لنا من تحفيز ونشاط وتركيز وسلام داخلي، خصوصا بعد صلاة الفجر وما يترتب عنها من خشوع وخضوع لله عز وجل، وأذكار صباحية تشحنك بطاقة لا مثيل لها من الشكر والامتنان تكون لك بمثابة دافع للإبداع والإنتاج والعطاء، خاصة إذا كنت على اتصال بالطبيعة، وهذا يحدث حتما في البوادي والأماكن المتصلة بالطبيعة العذراء حيث تستيقظ على صوت الطبيعة والحيوانات، هذا الامتزاج والاتصال بالكون يولد شحنة إيجابية لا مثيل لها.
أثبت العلم الحديث أن إنتاجية الجسم والكون يتوافقان معا؛ ففي فترة الفجر يكون الجسم في أعلى مستوياته بعد نوم عميق، حيث يكون إنتاج الهرمونات في ذروته كهرمون الكورتيزون وهو ما يسمونه بهرمون الحياة، كما يزداد إفراز هرمون الأدرينالين الذي ينشط جميع أعضاء الجسم، وفي المقابل، تكون هناك أعلى نسبة لغاز الأوزون في الجو عند الفجر، وتقل هذه النسبة تدريجيا حتى تضمحل عند طلوع الشمس.
لعل ما دفعني للكتابة حول هذه الساعات السحرية هو تأثيرها الرائع والمؤكد على مسار حياتي وإنتاجيتي، والسكينة والطمأنينة التي تخلفها صلاة الفجر؛ إذ يمكن الجزم بأن الاستيقاظ صباحا هو بمثابة معجزة رائعة لا يمكن التخلي عنها مهما حصل، غير أن ظروف الحياة أحيانا تباغتك حتى لو قررت أن تصبح من محبي الصباح. ستجد صعوبة في البداية خاصة إذا كنت تسكن مع أناس لا يتقاسمون معك نفس النظام، أو قد تفرض عليك طبيعة عملك العمل ليلا كساعات الدوام الليلة، وقد تكون هناك مؤثرات أخرى تؤثر على نظام نومك كالسفر أو مسؤولية معينة. لكن، ما قد أنصحك به بالنسبة للفئة التي لها الاختيار، عليك بتهيئة الظروف المواتية للاستيقاظ مبكرا؛ كتناول عشاء خفيف وإيقاف الأكل على السابعة مساء والابتعاد عن الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي قبل ساعة على الأقل من النوم، ومن المفضل أيضا تخفيف الضوء أو الاستحمام؛ لأن ذلك يساعد على الاسترخاء، ثم عدم ممارسة الرياضة ليلا لأنها من منشطات الدماغ ليلا، أو شرب القهوة والمنشطات التي تساعد على الاستيقاظ.
خلاصة القول، أؤمن بأن من يستيقظون باكرا يحققون معدلات إنجاز أكثر بكثير ممن يستيقظ ظهرا أو مساء. يوجد شيء سحري يتعلق بالصباح لا يمكن وصفه، شعور خفي يمدك بالقوة والنشاط، شعور أتمنى أن أخبر به كل من أصادفه.